يسعى الكثير من الناس في حياتهم العملية والاجتماعية إلى نيل رضى المحيطين بهم واحترامهم. وهذا الأمر في غاية البساطة، ويمكن الحصول عليه بمجرد أن تتمتّع ببعض الصفات الحميدة التي يشيد الكلّ بها لكن القليل من يطبّقها. يبلغ عدد هذه الصفات ثماني، وطالما ذكرتها الكتب الدينية ووردت على ألسنة الصالحين والمفكرين والأدباء والمختصين في العلوم الإنسانية، وهي تعتبر المداميك التي تُبنى عليها العلاقات العامة والخاصة، ومَن يتحلى بها يهون عليه الوصول إلى أهدافه واحتلال قلوب الآخرين.

Ad

1 البشاشة

قال السلف: «البشاشة في الوجه خير من القِرى» أي أن الاستقبال بابتسامة خير من الضيافة، وفي المعنى عينه أتى المثل الشعبي القائل: «لاقيني ولا تغديني».

فعندما تبدو البشاشة على محياك يشعر الآخر برابط من المودّة تجاهك وتنبسط أساريره أيضاً، فيغدو اللقاء طيباً ويصبح الطلب سهلا تحقيقه. ولم يخطئ شكسبير عندما قال: «خير لك أن تشق طريقك بابتسامتك من أن تشقها بسيفك!».

2 الإصغاء والحوار

لا معنى للحوار بين شخصين أو أكثر إذا لم يكن الإصغاء هو الأساس في هذا الحوار. فكيف يمكننا الوصول إلى نتيجة إذا لم نستطع الإصغاء إلى محدّثنا؟ بينما العكس في هذا الأمر يجعل الطرف الآخر مبتهجاً ويشعر في الوقت عينه باحترامك وتقديرك له.

يقول السياسي الفرنسي الداهية شارل دو تاليران: «أفضل طريقة لكسب محبة الناس واحترامهم هي أن تستمع بكل انتباه إليهم عندما يحدثونك في أمور تعرفها أنت تمام المعرفة، وأن توافق على شرحهم حين يشرحون ما تعرف وما يجهلون هم». وقد سبقه التابعي عطاء بن أبي رباح بأكثر من ألف سنة إذ قال: «إن الرجل ليحدثني بالحديث فأنصت له كأني لم أسمعه قط وقد سمعت به من قبل أن يولد».

3 الثقافة

ينبغي ألا يقال هذا إنسان مثقف بل إنسان يتثقف، لأن الثقافة بحر من العلوم والمعرفة لا حدّ له. والثقافة هي خلاصة ما يتبقى لنا بعد نسياننا ما تعلمناه كما يقول الكثير من المفكرين والفلاسفة. إذاً الثقافة هي باب تلج منه إلى عقول الآخرين. فعندما يتعاطون معك ويلمسون مقدار علمك ومعرفتك، فإنهم يعجبون بك ويقدّرونك، وتصبح بالنسبة إليهم مرجعاً يعودون إليه كلما ضاقت بهم السبل. ولا تنسَ في كل حال أن تبقى على اطلاع لما يدور في مختلف الميادين، فالتطوّر هو سُنة الحياة.

4 التواضع

لتكن قريباً ومحبوباً من الآخرين تسلّح بالتواضع، فكلما انحنيت ازددت رفعة لأن التواضع الحقيقي هو أبو كل الفضائل، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: «التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة، فتواضعوا يرفعكم الله». فإذا أردت اجتلاب المجد واكتساب الودّ تواضع، وافعل ما أمر به العماد الأصبهاني، إذ قال: «ألن جانبك لقومك يحبّوك، وتواضع لهم يرفعوك، وابسط لهم يدك يطيعوك».

5 الخدمة

ثمة قاعدة اجتماعية فحواها أنك بمقدار ما تجد لذّة في خدمة الآخرين، بمقدار ما يستمرّ حبّ هؤلاء الآخرين لك، فيغدو المجتمع إذ ذاك أناساً لا غنى عنهم! بينما يرفع المهاتما غاندي في قيمة الخدمة فيعتبرها «ديناً».

الخدمة من دون أجر لا تقدّر بأجر. وعندما يشعر الآخرون بأنك سند لهم عند الحاجة، ومن دون أي مصلحة، فإنهم ينظرون إليك نظرة حب وتقدير، وتبقى سمعتك الطيبة تخيّم فوق اجتماعاتهم.

6 الاحترام

أكثر ما ينفّر الناس هو قلة الاحترام لشخصهم وعدم الاكتراث بهم. وكي نستطيع احترام الآخرين علينا احترام ذواتنا أولا، ومتى احترمت نفسك تجتذب عندها احترام الغير. والاحترام ليس هدفاً بحد ذاته يجب أن تسعى إليه، إنما هو نتيجة تعاملك مع الآخرين، فمتى كان أسلوبك يتميز باللباقة والمنطق فإنك ستنتزع فوراً احترامهم، واعلم أنك مهما أحببت الناس من دون احترام فذلك يعني اعتبارهم حيوانات مفضّلة، كما لو كنت تدلل كلباً رضيعاً أو هرّة صغيرة.

7 التذكر

أسوأ انطباع تعطيه للغير عندما تلتقي به هو عدم تذكرك اسمه أو المكان الذي تعرفت فيه إليه، فحاول دائماً ملاطفته باحترام إلى أن يحضر اسمه في ذهنك.

يودّ الناس أن تتذكر كل شيء عنهم: اسمهم، عائلتهم، عملهم، والأخبار التي رووها لك عن شؤونهم. فعندما تعيد عليهم ما تعرفه عنهم ترضي غرورهم ويتأكدون من المودّة التي تكنّها لهم، فيحتفظون بصورة رائعة عنك.

8 الإهداء

يحب الجميع الهدايا، الكبير والصغير، الغني والفقير، الخادم والمدير، شرط أن تكون الهدية نابعة من القلب أولا، ومن حسن الذوق ثانياً. فالهدية تغدو تافهة إن أقلع مهديها عن الحب، والهدية تبدو لا قيمة لها إن لم تكن طريقة الإهداء مغمورة باللطف والنبل. ويحلو في هذا المقام ذكر بيتين من الشعر قالهما أبو العتاهية:

هدايا الناس بعضهم لبعضِ     

                       تولِّد في قلوبهم الوصالا

وتزرع في القلوب هوىً ووداً

                  وتكسوهم إذا حضروا جمالا

فإن تحلّيت فعلا بهذه الصفات الحميدة فستصبح حكماً نجماً اجتماعياً يفسح الجميع له في قلوبهم أعلى مقام.