إشاعة أم بالون اختبار؟
الإشاعة مشتقة من الفعل أشاع، والشائعة لغة مشتقة من شاع الشيء، ويقال أيضا: شاع بالشيء أذاعه، وللإشاعة اصطلاحا تعريفات عديدة، فهي عند البعض كلام أو فكرة عامة تنتشر بسرعة، وكما يقال في الأدبيات «كانتشار النار في الهشيم»، وغالبا لا يكون لها أصل، وتعتبر أيضا أحد أنواع الضغط الاجتماعي الذي لا أصل له أو مصدر، يكتنفها الغموض وتلقى الاهتمام الواسع، ليس بهدف نقل أو إيصال المعلومة للناس بقدر ما تكون تحريضاً وإثارة بلبلة.وتمتاز الإشاعة بعدم التحقق من صحتها ولا مصدرها، حيث يتم انتقالها وتداولها شفهيا، وهناك أنواع وتقسيمات للشائعة الزاحفة والطائرة والإشاعة الراجعة والاتهامية والاستطلاعية، وهي دافعنا لحديث اليوم، فهي محاولة تطلقها جهة ما عامة أو خاصة أو منظمة أهلية هدفها استطلاع ردة فعل الشارع حول قضية ما، وبناء على ردود الأفعال ستكون ماهية ونوعية القرار الذي سيتخذ، أي يمكن أن نطلق عليها «بالون اختبار»، وللأسف الشديد فقد تفشى إطلاق الشائعات وبالونات الاختبار في المجتمع الكويتي، حتى غدت ظاهرة من مظاهر المجتمع، فأصبحنا نمسي على شائعة ونصبح على أخرى في كل مناحي الحياة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
ولعل آخر هذه الشائعات، وأتمنى أن تكون مجرد شائعة، لا «بالون اختبار» حقيقي ما تداولته وسائل التواصل الاجتماعي عن توجه حكومي إلى إلغاء الدعم عن كثير من السلع والخدمات الأساسية، من أهمها بعض السلع التموينية، أو رفع الدعم عن الكهرباء والبنزين، وقد يكون بعضها توجهاً حكومياً حقيقياً، وقد يكون البعض الآخر وهماً نسجته مخيلة البعض لإثارة حفيظة نفوس الناس على الحكومة وعملها، ومما يؤسف له أن أغلبية هذه الأفكار والاقتراحات هي من نسج خيال وحسد وحقد البعض من المستشارين الوافدين أو غيرهم بغية كسب ود مديريهم أو الوزراء، ولعلي هنا لا أتجنى على البعض، فقد وصلتني معلومات ممن أثق به، وقد حضر اجتماعا حاول فيه أحد المستشارين ممن كان في يوم ما من دول «الضد» وأحب أن يستمر في نفس النهج، ولكن بلباس الناصح الأمين على مصلحة البلاد والعباد وله مآرب أخرى، أن يمرر قرارات غير شعبية، ولكن لأن هناك وزيراً مخلصاً رفض استشارته بأدب ولباقة، تم وأد تلك المقترحات في مهدها.نحن لا نعترض مطلقا على أي قرارات إصلاحية تفيد الوطن، حتى وإن جاءت على حساب المواطن لأن العلاقة بينهما تكاملية ووثيقة لا تنفصم لها عروة، فازدهار الوطن هو رخاء المواطن، ولكن ما يثير الاستغراب أن الجميع في هذه الدولة يستفيد من الخدمات دون تمييز بين مواطن ومقيم، ولذلك من باب أولى أن يتم تطبيق القرارات على غير المواطنين أولاً، وأن يستمر المواطن في بحبوحة العيش، لأنه الأولى بخيرات وطنه ولا يشاركه فيها أحد، والكويتيون، ومن في حكمهم، لا يمثلون إلا ربع عدد السكان أو أقل، فلماذا يتم دائماً التضحية بمصالح المواطنين ورفاهيتهم التي كفلها الدستور لهم. ولا ننسَ بحال من الأحوال أن الكويت كانت، ومازالت وستبقى، في مأمن من أي أخطار اقتصادية، وأن الاستثمارات الكويتية والصناديق السيادية وصندوق الأجيال القادمة قادرة على سد أي عجز حقيقي، لا مجرد عجز دفتري صوري، ولكن المطلوب فقط إدارة مالية استثمارية حكيمة لهذه الصناديق والاستثمارات والتخفيف من حجم المساعدات والإعانات التي تقدم كهبات غير مرتجعة لبعض الدول من خلال الصندوق الكويتي للتنمية العربية ورأسماله الملياري، وترشيد تلك القروض والمساعدات والهبات المالية الضخمة التي تمنح يمنة ويسرة لبعض الشعوب والدول، حتى أصبحنا «عين عذاري»، ولا نجد منها جزاءً ولا شكوراً، بل نرى جحوداً وابتزازاً، وكما يقول المثل العربي «جحا أولى بلحم ثوره»، والكويتيون أولى بخيرات وطنهم، فقد حولت هذه السياسات المجتمع الكويتي إلى مجتمع طبقي، أغنياء وفقراء فقط رغم هذه المظاهر الزائفة، ولكن مع كل ذلك فالخير والرفاهية سيبقيان في ظل القيادة الحكيمة لصاحب السمو أمير البلاد، وبمساعدة عضيده ولي العهد وبإدارة سمو رئيس مجلس الوزراء والمخلصين من أبناء هذا الوطن، والحافظ الله يا كويت.