هل يقضي إردوغان على أتاتورك؟!
منذ صباه الباكر وهو يسمع في بيته كلمات السخط وهمسات التمرد على الأوضاع السائدة في بلاده -تركيا-، فوالده يحدثه:- هذه يا ولدي يا مصطفى أوضاع غير مقبولة، وسنظل في ذيل الشعوب إذا لم نعدلها! من يرضى أن تطمع فينا اليونان وتحاول احتلال أزمير؟! وصل الأمر إلى هذا الحد يا ولدي!
فيطرح سؤالاً على والده:- هل صحيح يا أبت أن جيوشنا أوشكت في يوم ما أن تحتل النمسا؟!فيجيبه الأب مستنكراً:- أوشكت؟! بل لقد احتلت جزءاً كبيراً منها، وكان الجيش التركي على وشك احتلال فيينا! بينما الآن يطمع في أرضنا أصحاب البقالات في اليونان؟!فيأخذه الحماس ويقول لوالده:- أقسم يا أبت بالقرآن الكريم أن أطهر بلادنا من الفساد، والرشوة، والتسيب، وأن أسترد ما فقد الجيش التركي من أرضنا المقدسة.فتصرخ أمه بأعلى صوتها على زوجها:- يا علي.. يا علي.. لا تبذر في صدر الفتى هذه الأفكار. ماذا لو ثرثر بها في المدرسة؟! أنت تعرف يا علي أن جواسيس السلطان في كل مكان. أتريد أن يعزلوك من وظيفتك؟! - اسكتي يا زبيدة.. يجب أن يعرف مصطفى كل شيء عن أحوال بلاده. فالمدارس لا تحشو عقول الصغار إلا بالخرافات. أهذه مدارس التي تبدأ يومها بالركوع أمام ناظر المدرسة؟! أهذه مدارس التي تقصي أي تلميذ عن فصولها إذا أبدى رغبته - ولو همساً - بأنه يريد أن يغدو ضابطاً في الجيش إذا وصل إلى سن الشباب؟!فتقول الأم:- إني أخاف أن يمس ولدنا الشر من جواسيس السلطان. ماذا لو أخذوه إلى سجن الأحداث بفضل تعليماتك هذه؟!فيجيبها مصطفى:- يا أماه لا تخافي عليَّ، واعلمي أني لا أخاف كل جواسيس السلطان مجتمعين، كما لا أخاف الجيوش الأجنبية كلها التي تحاول السيطرة على بلادنا، إنني ابن أبي.. علي رضا، الموظف الأمين، طاهر الذمة، نظيف اليد.. لا تخافي عليَّ فالخوف لا يعرف قلب ولدك مصطفى كمال.الشجاعة اللامتناهية هذه هي الصفة التي اشتهر بها مصطفى كمال الرائد الأول للنهضة التركية الحديثة.فُصل من المدرسة لأنه يحرض الطلاب على الحرية. ويوم مات أبوه اضطر للعمل فلاحاً في أرض عمه الذي توسط له لدى أحد أقاربه فحقق حلمه القديم في الالتحاق بالأكاديمية الحربية، وقال له ناصحاً:- يا مصطفى.. لا تخيب ظن أمك المسكينة، ولا تتكلم في السياسة، واعلم يا بني أن الجندي يجب ألا يشغل نفسه بغير الحرب وإتقان أصول التخطيط العسكري، أما السياسة فهذه لها رجالها. أرجوك يا مصطفى يا ولدي لا تضيع الفرصة من يدك.وأخذ مصطفى كمال بنصيحة قريبه عثمان بيك وأمسك لسانه عن السياسة حتى غدا أحد أفراد الجيش العاملين على الحدود. وعندها بدأت روحه الثائرة في التململ. إنه يفكر في شيء خطير، فخرج من التفكير إلى العمل حين كوَّن جمعية سرية أسماها "الوطن"، ولما كُشف أمره لم يلبث الفتى الثائر أن وجد نفسه في سجن مجهول وأوشكت أمه العجوز أن تموت هلعاً، ولم يهدأ لها بال إلا بعد أن أفرجوا عنه لعدم كفاية الأدلة، فعاد إلى عمله بعد أن تعلم الدرس من تجربته الأولى، وكوَّن جمعية باسم "تركيا الفتاة" التي شقت طريقها إلى القضاء على دولة الخلافة عام 1924. فغدا أتاتورك "أبو الأتراك" الرمز لهذه الدولة الحديثة التي تقوم على أسس علمانية.فهل يستطيع إردوغان - المنتمي إلى الإخوان المسلمين - أن يعيد عجلة التاريخ إلى الوراء وينهي أسطورة أتاتورك؟! لتبدأ حكاية جديدة تعيد إلى الأذهان خلافة إردوغان؟!