عندما انتهت الحرب العالمية الثانية سنة ١٩٤٥، رفع المنتصرون شعار "لا تكرار لذلك" أو "never again"، فقد جرت خلال تلك الحرب مآسٍ ومجازر وإبادة جماعية غير مسبوقة "آذت الضمير الإنساني"، كما جاء في مقدمة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واتضح منها أن البشر أكثر قدرة على الدمار والفتك بجنسهم، من قدرتهم على الإعمار والبناء، كما ثبت أنه بالإمكان تحويل نتاج العلم والعبقرية والتقدم إلى أدوات فتك وتدمير وفناء بمجرد تولي الكارهين للحياة والعاشقين للسلطة مقدرات الأمور.

Ad

اجتمعت الدول المنتصرة في الحرب بدومبارتون أوكس في سان فرانسيسكو لتحويل شعار رفض تكرار ما حدث في الحرب الثانية إلى برامج على الأرض. كانت إحدى الإجابات لعدم تكرار مآسي الحرب هي إنشاء "الأمم المتحدة" للحفاظ على السلم والأمن الدوليين. كان واضحاً حينها إدراك السياسيين أن من أسباب المأساة أنهم لا يقيمون وزناً يذكر لكرامة الإنسان في مراحل بناء نفوذهم، ولذلك انتشرت مصطلحات حقوق الإنسان في صفحات ميثاق الأمم المتحدة، ومن ثم صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة ١٩٤٨.

قد تكون الأمم المتحدة نجحت في منع حرب عالمية ثالثة، ولكنها فشلت فشلاً ذريعاً في منع الحروب الأصغر التي تشارك فيها معظم دول العالم، صغيرها وكبيرها، والتي لم تقل نتائجها المأساوية عن الحرب العالمية.

نحن اليوم وبدون حرب عالمية، وصلنا إلى نفس معدل اللاجئين الذي تحقق بعد الحرب الكونية الثانية، وعندما تصل معدلات اللاجئين إلى هذه الأعداد المفزعة فعلينا أن نتوقع مشاكل أكبر من السابق.

 لأمر ما فإن سنة ٢٠١٥ تبدو أطول من غيرها من السنين، ربما بحجم الأحداث فيها، وسندخل سنة ٢٠١٦ والعالم مثخن بجراح كثيرة مازالت بلا حلول جدية، بل تتفاقم كالسرطان الجائع. والملفات لا حصر لها كارتفاع وتيرة الحروب العبثية، وازدياد نبرة خطاب الكراهية، وموجة التراجع عن الحرية بحجة حماية الأمن، وانتشار الفساد، وتصاعد موجة الإرهاب الديني وغير الديني، وازدياد عدد الجياع في العالم، والارتفاع المذهل لعدد اللاجئين، والعدوان الممنهج على البيئة. فهل يتمكن العالم من التعامل بجدية مع تلك الملفات أم أننا سنشهد تفاقماً لها وربما تفرِّخ لنا مآسي جديدة؟