رحل الأديب والمترجم خليل كلفت، عن عمر ناهز 76 عاماً. ولد في النوبة بمحافظة أسوان، «صعيد مصر»، في 9 أبريل 1941 بعدما أثرى المكتبة العربية بالمئات من أعماله، فقد كان الراحل مترجماً وناقداً وكاتباً للقصة القصيرة ومفكراً سياسياً ولغوياً ومعجمياً.

Ad

ينتمي خليل كلفت إلى ما يسمى تيار اليسارالمصري، وقد بدأ حياته منذ منتصف الستينيات وشارك في إثراء المشهد النقدي آنذاك عبر مقالاته ودراساته الأدبية التي كان ينشرها في مجلتي {غاليري 68} المصرية، و{الآداب} البيروتية، بالإضافة إلى جريدة {المساء».

كان خليل جزءاً من النشاط اليساري المصري، وقد أهداه الشاعر الكبير الراحل أحمد فؤاد نجم بيتاً من شعره، في قصيدته {عطشان يا صبايا}، التي غناها الشيخ إمام عيسى وتقول:

 «عطشان يا صبايا... دلوني على السبيل

عطشان والميه ف بلدي...

على عكس ما يجري النيل

والريح العافر كابس... والريح العاطي بخيل

والنسمة أتعكر لونها من هم الناس يا «خليل».

كتب كلفت سلسلة مقالات يردّ فيها على أدونيس وغالي شكري وآخرين تحت عنوان «حملة مشبوهة ضد شعر المقاومة»، وغير ذلك من مقالات وأبحاث، جمع معظمها ونشرها في كتابه «خطوات في النقد الأدبي»، أثار ردود فعل واسعة على المستويين الإقليمي والعالمي، حيث إن بعض ما كتب كان يردّ به على التحريفيين الماركسيين، خصوصاً ردوده ودراساته عن موضوع نمط الإنتاج الآسيوي في ردّه على أحمد صادق سعد.

أسس كلفت مع بعض رفاقه التنظيم الشيوعي المصري، في 8 ديسمبر 1969 والذي تحول اسمه بعد ذلك إلى {حزب العمال الشيوعي المصري}، وكان خليل كلفت، الذي كان يحمل اسم {صالح محمد صالح} رأس حربة في الحزب، وكتب عدداً من الكتب والدراسات النظرية السياسية، تحت هذا الاسم الحزبي وله جهود بالغة الأهمية في تجديد النحو العربي.

أكد الأديب الكبير سعيد الكفراوي أن كلفت ضحى كثيراً لأجل وطنه وتعرض لمضايقات عدة فقد أمضى من عمره سنوات طويلة في السجن وتعرض للتعذيب واتهم في عهد السادات بإنشاء تنظيم سري، مؤكداً أنه دفع ما لا يطيقه إنسان وبسبب هذا الاعتقال ظل كلفت يكتب باسم مستعار لسنوات طوال.

مؤمن بالحرية

أوضح الكفراوي أن الراحل كان أحد أنقى أهل اليسار والماركسيين المؤمنين بالحرية والعدالة الاجتماعية، وظلت هذه القيم تحركه حتى آخر أيام حياته، مشدداً على أنه بغياب ورحيل كلفت تغيب الكثير من القيم التي تربت عليها أجيال كثيرة فقد كان صاحب رأي ناصح ومؤمن بأن السياسة في خدمة المجموع.

أما القاص النوبي شريف عبدالمجيد، فيرى أن خليل كلفت أحد أكثر الكتّاب الذين قدموا أدباء جيل الستينيات وهم يذكرون فضله عليهم، بالإضافة إلى أنه أحد أكبر المترجمين في الوطن العربي وأحد أوائل الذين ترجموا أدب أميركا اللاتينية، خصوصاً أعمال ماشادو دي أسيس إذ ترجم له {دون كازماروا}، كذلك {طبيب الأمراض العقلية».

يؤكد عبد المجيد أن كلفت عانى كثيراً، إذ رفضت مصر علاجه منذ سنوات عدة وتكفلت بذلك دولة إيطاليا، نظراً إلى أنه أحد أهم المترجمين العرب، موضحاً أنه قدم الكثير للأدب العربي بالإضافة إلى دراساته النقدية والفلسفية وتبحّره في علم النحو الذي قدمه في كتابه {من أجل نحو عربي جديد}، كذلك ترجم مختارات قصصية في {الهيئة العامة لقصور الثقافة} لمجموعة من أدباء أميركا اللاتينية بعنوان {آدم وحواء».

من جانبه أبدى الناقد الأدبي أحمد سراج حزنه الشديد لرحيل كلفت، مؤكداً أنه كان صاحب رؤية ومهموماً بقضية اللغة وترقيتها وتعزيز مكانتها، وهي اهتمامات نجدها مع أساتذة اللغة والمهتمين بها فحسب، لكن الغريب أن يقتحم هذه المنطقة مترجم ويدلي فيه بدلوه فهذا غير مألوف ولكنه يدل على تمكّن الأخير من اللغة والأدب.

يؤكد سراج أن ترجمات كلفت عن الإنكليزية كانت جيدة للغاية وكان من أوائل الذين فكروا في الترجمة عن لغة وسيطة وهو أدب أميركا اللاتينية والإسبانية، ومع ذلك كان مهتماً بالقضايا المصرية شبه اليومية، رغم ظروف مرضه، مطالباً بأن يتم التركيز على تجربته الأدبية التي يجب الانتباه إليها جيداً.

يقول سراج: {للأسف أصبحنا في العالم العربي لا نتذكر المفكرين والأدباء إلا عند وفاتهم، وبعد ذلك تختفي سيرتهم وأعمالهم من المكتبات والأسواق}، مشدداً على ضرورة أن تضع {وزارة الثقافة} و{المجلس الأعلى للثقافة} نسخة إلكترونية من الأعمال الأدبية لكبار الكتاب والمثقفين على موقعهما بدلاً من إقامة ندوات وحفلات تتحول إلى {مكلمة}، وفي نهاية الأمر لا نجد الأعمال سواء اختفت من المكتبات عن عمد أو بسبب الإهمال.