هل يعقل أن يسمح بلد في العالم أن يتم تحويل 18 مليار و500 مليون دولار (5.3 مليارات دينار) من ناتجه المحلي دون أن يحصل منه أي ضريبة أو رسوم، نعم هذا يحدث في الكويت، فالتحويلات الخارجية ومنها تحويلات العمالة الأجنبية حولت في عام 2014 فقط ذلك المبلغ إلى الخارج، والسلطتان التنفيذية والتشريعية لديهما تلك الأرقام ولم يتحركا لعمل فوري لتشريع قانون أو قرار لحفظ حقوق البلد، فلا يمكن لدولة أن تسمح أن يستنزف دخلها الوطني بهذا الشكل، وبعد ذلك يتحدث مسؤولوها عن عجز في ميزانيتها يقارب المليارين ونصف المليار دينار في العام المالي الحالي.

Ad

حالياً الولايات المتحدة الأميركية تطارد كل من يحمل جواز سفرها بالضريبة عبر قانون "فاتكا"، حتى لو كان مصدر دخله لا علاقة له بالاقتصاد الأميركي، وأيضاً مقيم خارج أراضيها، وبريطانيا ستطبق اعتباراً من بداية 2017 فرض الضريبة على كل مقيم على أراضيها في آخر 15 عاماً، حتى لو كان لا يحمل الجنسية البريطانية ومصدر دخله من خارج المملكة المتحدة، ونحن لدينا 18 مليار دولار تخرج من دخلنا الوطني برداً وسلاماً دون حتى رسوم تحويل لمصلحة الدولة، وجميع العاملين لا يدفعون أي ضرائب دخل، فأي جريمة نرتكب بحق وطننا؟

نظام التحويلات الخارجية السائد حالياً والجائر بحق الكويت، والذي لا يفرض أي رسوم على التحويلات الخارجية أو ضريبة دخل، يصب في مصلحة أصحاب الأعمال كون أغلبية العمالة الوافدة تعمل في القطاع الخاص، وفرض أي ضرائب دخل أو رسوم على العمالة الوافدة وتحويلاتها سيرفع كلفتها على صاحب العمل، ولذلك فإن قانون أو قرار فرض رسوم على التحويلات الخارجية أو ضريبة دخل لشرائح معينة من الوافدين سيرفض غالباً بسبب نفوذ أغلبيتهم وضغوطهم.

ولو استمر هذا التلكؤ في معالجة الدولة لتلك العلة الخطيرة، فلنا أن نتخيل أثر تقديرات المتخصصين بأنه سيتم تحويل ما يقارب 220 مليار دولار إلى خارج البلاد خلال السنوات العشر المقبلة، أي ما يوازي تقريباً نصف القيمة الإجمالية للاستثمارات الخارجية لدولة الكويت حالياً، وهو رقم "فلكي" لا يمكن لأي دولة في العالم أن تسمح به دون أن تحصل المستحق لها من رسوم وضرائب، ولذلك فإن التسويف والحديث عن دراسات ولجان حول فرض الضرائب والرسوم على مواقع الاستنزاف الكبيرة لاقتصادنا الوطني هو ظلم للبلد إن لم يكن جريمة عظيمة يشارك فيها كل فرد من أفراد السُّلطتين منذ سنوات طويلة.