اﻟﺘﻌﻠﻴﻢ واﻟﺴﻴﺎﺳﺔ!
التعليم هو البوصلة التي قد تنجح في توجيه السياسة إذا ما أحسن تهيئته واستثماره، فهو لم يعد مقصوراً على المعلوماتية وغرس مختلف أنواع المعرفة والدراسة العلمية لا سيما في القطاعات الحديثة التي بلغتها العقلية البشرية، بل تحول التعليم المعاصر إلى منظومة ثقافية واجتماعية وفكرية وتنموية هي التي تحدد فلسفة الحياة.
عقد المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في الدوحة المنتدى الأول لدراسات الخليج والجزيرة العربية لمناقشة التحديات المعاصرة أمام شعوب دول مجلس التعاون وحكوماتها، وذلك في حضور لافت لذوي الاختصاص من الدول الخليجية سواء على المستوى الأكاديمي أو المراكز البحثية، ولعله من الحنكة والذكاء أن ينطلق المنتدى من بعدين مهمين هما: التعليم والتحديات السياسية والأمنية، في إشارة واضحة وذات دلالة بأن التعليم وتحدياته لا يقلان في أهميتهما وخطورتهما وضرورة مواجهة مشاكلهما عن الأخطار الأمنية والسياسية التي قد تبدأ بالاستقرار الداخلي مروراً بالإرهاب، وانتهاءً بتداعيات المفاعل النووي الإيراني والأوضاع الملتهبة في المنطقة العربية. على الرغم من جانب الاختصاص الأكاديمي الذي يشدّني أكثر نحو القضايا الأمنية والسياسية، فإن التعليم قد يكون بدرجة لا تقل أهمية في همومه ومشاكله فقط بل أيضاً البوصلة التي قد تنجح في توجيه السياسة إذا ما أحسن تهيئته واستثماره، فالتعليم لم يعد مقصوراً على المعلوماتية وغرس مختلف أنواع المعرفة والدراسة العلمية لا سيما في القطاعات الحديثة التي بلغتها العقلية البشرية، بل تحول التعليم المعاصر إلى منظومة ثقافية واجتماعية وفكرية وتنموية هي التي تحدد فلسفة الحياة، وهي التي تصنع المستقبل، وهي التي تحدد الأهداف وتعكس الطموحات والتطلعات.عبر التعليم أيضاً يتم تهذيب السلوك، وتتم مواجهة ظواهر العنف والتطرف وتدشين القيم والنشأة الاجتماعية وإعداد قيادات المستقبل، ولهذا فإن إعداد القيادات التعليمية ومسؤولياتها لا يقل أبداً عن إعداد القيادات السياسية إن لم تكن القيادات التعليمية هي الأهم؛ لأنها صانعة القيادة السياسية، وما أعجبني في حفل الافتتاح كلمة وزير التربية ووزير التعليم العالي القطري الدكتور محمد الحمادي أمام الحضور الخليجي الحاشد الذي تقدمه سمو أمير دولة قطر الشقيقة، عندما أشار وبكل شجاعة ووضوح إلى مكامن الخلل في التعليم القطري والخليجي، ووضع إصبعه على الجرح، مشيراً إلى جملة من العقبات التي تسببّت في الانتكاسة التعليمية وعلى رأسها القائمون على المؤسسات التربوية. وأثار ذلك حفيظتي حول ملف الشهادات العلمية المضروبة في الكويت والتردد الواضح في مواجهة هذه الجريمة التي إن ثبتت فإن مخاطرها لن تقف عند حدود مدارسنا وكلياتنا، بل تكون ضربة قاصمة للإدارة العليا المسؤولة في الدولة بما في ذلك القيادة السياسية، وبدلاً من الاستثمار في اجتثاث مثل هذه الآفة بشجاعة فإن السياسة تتدخل لحماية هذا الفساد التعليمي، وبدلاً من ملاحقة المزورين تتم ملاحقة وتهديد من يتصدى لذلك، وإن بقاء الفساد التعليمي بلا شك سيزرع لنا مشروع فساد سياسي في المستقبل.