المعرض الحزين

نشر في 22-11-2015
آخر تحديث 22-11-2015 | 00:01
 ناصر الظفيري في مدخل الصالة رقم 6 لمعرض الكتاب العربي في الكويت هذا العام يقف رجلان من وزارة الإعلام يفتشان حقائب الناس بحثاً عن كتاب، أي كتاب. فالقانون الذي استحدث فجأة هكذا يمنع كل من يحمل كتاباً من إدخاله إلى المعرض. قلت لأحدهما هذا كتابي الشخصي وليس للبيع وهو الكتاب الوحيد الذي معي وهو أيضاً ليس ممنوعاً من التداول ومجاز منذ العام الماضي، ولكنه طلب مني أن أتركه لديه وأستعيده حين أخرج، فرفضت، واضطر هو لأن يتجاوز قانونه المستحدث فجأة ويسمح بدخولي وكتابي لمعرض الكتاب الأربعين.

منذ أربعين سنة، وهو عدد من السنين يقترب من نشأة الدولة الكويتية الحديثة، بدأت رحلة الكتاب العربي في الكويت تحت رعاية الدولة التي تشرف على النشاط الثقافي وتضع قوانين النشر. هذه القوانين تضعها الدولة لتقنين ما يجب على المواطن قراءته وما يجب الابتعاد عن قراءته، فالدولة مسؤولة عن التعليم وتحديد القصائد والقصص ومواضيع التعبير التي يقررها الأستاذ للطلبة، ومسؤولة عن الآداب العامة وعن محتويات المكتبة العامة ومكتبات الناس الشخصية، وسنؤمن بألا خلاف في ذلك، ولنقتنع بأن جميع الدول في العالم لديها قوانين ترتب حياة الناس، ولكن المشكلة تكمن في تطبيق هذه القوانين في حالة رقابة ما يكتب وما ينشر.

ما يحصل في معرض الكتاب العربي الأربعين المقام حالياً في الكويت يثير أكثر من علامة استفهام حول الدور الرقابي الذي تمارسه الدولة على الكتب، فهناك تهميش وإقصاء لكل ما هو جيد وهادف وتكريس لكل ماهو تافه وفارغ من المعنى، ولن نحسن الظن ونقول إن الأمر يتم دون إدراك من القائمين على المعرض، بل سنقول إن ما يحدث يدل بصورة واضحة على أن الحجة التي يستند عليها الرقيب في منع الكتب تثبت ما نقول... أغلب الكتب الكويتية التي تم منعها هذا العام جاء منعها تحت بند الإخلال بالآداب العامة، وهي كلمة فضفاضة لا يحكمها سوى وعي الرقيب وقد يختلف عليها الرقباء في ما بينهم، فيرى أحدهم منعها ويرى الآخر العكس.

ولكن المثير للريبة هو السماح لكتب محلية دون المستوى الأدبي المقبول وتتضمن كل ما تحاربه الرقابة تحت مسمى الآداب العامة ويقبل عليها مراهقون ومراهقات، وبالمثل هناك روايات عربية وأجنبية يتم السماح بها، وهي أكثر جرأة من كتابتنا المحلية. إذاً المسألة ليست كما أعلنت الرقابة في منع كتب الروائيين في الكويت، بل هي إقصاء متعمد لما هو جيد.

ومرة أخرى نحن ضد أي شكل من أشكال الرقابة، ومع اللجوء للقضاء في حال الاعتراض على نشر كتاب ما وللقضاء وحده الحق برفع الضرر عن المتضرر من النشر. نعلم بأن مشكلة الرقابة لن تنتهي، ونعلم أن رقيب اليوم ليس رقيب الأمس ورقيب الغد ليس رقيب اليوم، وما يمنع في هذا العام سيجاز في العام المقبل أو الذي يليه، ما يهمنا هو وضع آلية حقيقية للرقابة التي علينا أن نتعامل معها بشكل أو بآخر. هذه الآلية هي إحالة الكتب إلى مختصين حسب جنسها الأدبي، فلا يمكن لرجل دين، مثلا، أن يراقب روائياً والعكس صحيح. وكذلك نرى معاملة معرض الكتاب باستثنائية مدتها عدد أيامه كما يحدث في الدول المجاورة لنا التي تماثلنا اجتماعياً وسياسياً.

back to top