لماذا يحدث اتجار بالبشر؟

نشر في 03-01-2016
آخر تحديث 03-01-2016 | 00:01
 مظفّر عبدالله أول العمود:

 لو لم تبرئ محكمة الجنايات مغرداً بتهمة قلب نظام الحكم لكانت الكويت أول دولة تعدم مغرداً!  

***

لماذا تحدث مظاهر الاتجار بالبشر في الكويت رغم كل الجهود التشريعية والأمنية والقضائية ومحاولات الالتزام بالمطالب الدولية في هذا الشأن؟

لدى الكويت ترسانة من القوانين والأجهزة للمحافظة على حقوق العمالة: قانون العمل في القطاع الأهلي والخاص، وانضمامها إلى اتفاقية مكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية وبروتوكولاتها، ومراكز إيواء العمالة، واتفاقيات منظمة العمل الدولية، واتفاقيات حقوق الإنسان الأساسية، وقانون العمالة المنزلية، وقانون مكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين، وإدارة مباحث الآداب العامة ومكافحة الاتجار بالبشر.

لماذا، ورغم كل ما يبذل، يحدث ما يعكر سمعة الكويت داخليا وفي المحافل الدولية إلى درجة تصنيفها بين الدول الأسوأ في تقرير مكافحة الاتجار بالبشر الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية؟

على الأرض تحدث أشياء أخرى كما هو ظاهر، وبما لا يعكس مضامين خطب دبلوماسيي الكويت في المحافل الدولية، فهناك نظام الكفيل الذي يعصف، بسبب الجشع والمتاجرة بالبشر، بكل ترسانة القوانين التي ذكرناها، هؤلاء يقومون بجلب عمال لا يتسلمون عملهم! ومن الواضح أن قوة هؤلاء التجار تفوق قدرة الجهاز الإداري للدولة الذي عجز لعقود من الزمن عن إيداع واحد منهم في السجن، ومؤخرا تم التصريح بإحالة ٢١٠ من الشركات الوهمية إلى النيابة لاتهامها بالمتاجرة بالإقامات!

تزوير الإقامات وتصاريح العمل ورخص التجارة فاحت رائحتها في الصحف المحلية، ففي عام ٢٠١٤ تم تزوير ١٠٠٠ رخصة تجارية في وزارة التجارة صدرت بموجبها ٤٠ ألف سمة عمل وهمية، كما يشير بحث صادر عن مجلس الأمة.

يعرف الاتجار بالبشر على أنه "أنشطة لاستقطاب شخص، أو إيوائه، أو نقله، أو توفيره، أو استحواذه، لإرغامه على العمل القسري أو ممارسة الجنس التجاري، وذلك من خلال استخدام القوة أو الاحتيال أو الإكراه"، وبهذا يكون الاتجار واقعاً فعلاً على الأرض مع كل موجات النفي الرسمي، بل إن حملات وزارة الداخلية لـ"صيد" مخالفي قانون الإقامة في البلاد تثبت ذلك، وكان آخرها حملة ٢٠١٣ التي حصدت ٩٠ ألف مخالف لم يعلن اسم كفيل واحد تسبب في جلبهم للبلد، ما الفائدة من كل التشريعات إذاً؟ صفر.

هناك مشكلة غريبة وهي أن دخول أي عامل إلى الكويت يتم بعلم الدولة وبإجراءتها القانونية، لكن الاستغلال أو صور "الاتجار" تتم بعد الدخول من خلال تسريح أعداد كبيرة في الشارع بلا عمل، والمثير هو سماح الحكومة بتحويل الإقامات من مهنة إلى أخرى ومن قطاع إلى آخر في نوع من إضفاء الشرعية على سوق قريب من النخاسة. أدعوك قارئي العزيز إلى الحضور إلى منطقة خيطان في وقت مبكر من الصباح لرؤية المئات ممن يتوسلون العمل من أي قائد سيارة.

لن نستفيد من خبرات المنظمات الدولية التي اتخذت من الكويت مقراً لها، ولا الاتفاقيات الدولية ذات الصلة بحقوق العمالة طالما تستمر الدولة في انتهاج التساهل مع المخربين ومجرمي الإقامات، فلا يزال موضوع خدم المنازل بيد صاحب العمل بدءاً من حجز الجواز والاعتداءات والتعنيف وبعدم تحديد ساعات العمل. لن نستفيد من التشريعات طالما استمرت ظاهرة قبض أموال من العامل نظير قدومه للكويت وفرض إتاوة سنوية نظير تجديد إقامته! وطالما استمر التأخير في الربط الإلكتروني بين أكثر من جهة لإحكام القبضة على ظاهرة التزوير في سمات الدخول وأذونات العمل، الوزيرة هند الصبيح تؤكد تصحيح الوضع مع مطلع ٢٠١٦، حيث سيمحو ما أسمته بعقد العمل الجديد كل سلبيات صيغ العقود الحالية التي تخلو من كثير من الحقوق، كتذاكر السفر، ودفع تكاليف التأمين الصحي والمستحقات المالية بعد انتهاء الخدمة.

هناك خطأ في المشهد العام وهو: رغم جمال ديكور القوانين فإن ضعف الإرادة لزجر عصابة تجارة البشر ما زال قائماً.

back to top