الطلياني
الطلياني هي الرواية التي فازت بجائزة البوكر العربية لهذا العام (2015)، وتغلبت بهذا الفوز على رواية "شوق الدراويش" وبقية روايات القائمة القصيرة، وكنت متلهفة لقراءتها حتى أعرف ماهية الرواية التي استطاعت أن تتفوق عليها، شوق الدراويش رواية اكتمل لها كل عناصر التفوق الأدبي، لذا كان من الغريب جداً أن تأخذ عنها رواية الطلياني الجائزة، وحين قرأت رواية الطلياني وجدت أنه من الصعوبة أن تتميز وحدها بالجائزة، لتقارب القيمة الفنية والأدبية بينهما بشكل متطابق تقريباً، وكان من الأفضل أن تُعطى الجائزة لكلتيهما لتفوزا بالمركز الأول مثلما حصل من قبل حين فازت رواية "طوق اليمام" لرجاء عالم مناصفة مع رواية "القوس والفراشة" للكاتب المغربي محمد الأشعري، وربما رأت لجنة التحكيم فيها معاصرة لكل ما يحدث الآن في تونس والعالم العربي من أوضاع سياسية قد تقلب أحوال الزمن القادم، وذلك عكس رواية شوق الدراويش التي روت تاريخ السودان إبان ثورة المهدي.رواية الطلياني رواية رائعة صورت وضع تونس السياسي والاجتماعي بمشرط دكتور يعرف ويدرك تماماً أين تكمن أسباب العلة فيهما، فعن طريق "عبدالناصر" الشاب الوسيم الذي لُقب بالطلياني لوسامته المنحدرة من سلالة مختلطة الدماء من أصول تركية وأندلسية وربيب لعائلة ثرية، رُكبت كل أحداث الرواية التي هو بطلها بلا منازع.
الرواية تغوص وتشرح الزمن السياسي والاجتماعي لتونس منذ حكم رئيسها "بورقيبة" إلى "زين العابدين بن علي"، الذي قام بانقلاب عليه واستولى فيه على السلطة، وتبين الاختلافات ما بين الزمنين والتغيرات التي انعكست على الناس والمجتمع، وكما كتب: "لقد انتهى بورقيبة منذ مدة طويلة، ولم يعد رجل المرحلة، سترى، الجميع سيرحب به- قلت لي إن شعب تونس يميل مع النعماء حيث تميل... شعاره الله ينصر من أصبح على الكرسي".وعبّر عن رأيه في مرحلة تولي الرئيس زين العابدين بالتالي: "كان يعتبر أن الدكتاتورية الحقيقية آتية لا ريب فيها، وعندها سيترحم الناس على بورقيبة. أكد له أنه لا ثقة له في نوايا بن علي. كان خطيراً يستميل الجميع ويسترضي الجميع. انه مستعد لأن يصبح قائداً إسلامياً أو عروبياً أو حتى ماركسياً لينياً، المهم أن يحافظ على عرشه الذي اغتصبه- لم تنزل قطرة دم ولكن هذا أخطر من تدفق الدماء". أما تشريحه للواقع الاجتماعي فكان في قمة الوعي والنضج والفهم لهذه التغيرات، فهو ليس بعيداً عنها، فبحكم كونه رئيس جامعة منوبة، وشغل سابقاً عمادة كلية الآداب والفنون والإنسانيات في نفس الجامعة، وعضو هيئات تحرير مجلة إبلا، ومجلة رومانو أربيكا، ما مكنه من إدراك خفايا الأمور ومستجداتها التي وظفها في شخصية بطله الطلياني الشاب التونسي اليساري المثقف الذي يدرس في جامعة تونس، وهو قيادي سابق في الاتحاد العام لطلبة تونس، كما أصبح بعد ذلك صحافياً مشاركاً في صنع أهم القرارات في الدولة.وعلى لسان الطلياني تتكشف كل أوضاع تونس، فمثلاً عن الصحافة كتب: "أصبح يراه مارستانا كبيراً دمر نزلاءه بالأكاذيب والأوهام والخمرة والكبت و"الزطلة" أحياناً. زال الفارق الكيفي بين حملة الأقلام والفكر وحملة الخناجر وباعة الخمر خلسة".والتغيرات التي حصلت في المجتمع قد كانت رهيبة: "تطور الأمر إلى شبكات وعصابات تتاجر بالخمور خلسة، وتبيع أصنافاً من الحشيش، والأقراص المخدرة، وتخيف الفتيات من الخروج. كان يعتبر هذه الجماعات الجديدة ضحايا التنمية والسياسة الليبرالية المتوحشة التي دفعت الناس إلي النزوح- وكان يسميهم بالبروتاليا الرثة، وهم أخطر الناس على الثورة القادمة".الطلياني رواية ثرية وغنية بعوالمها السياسية والاجتماعية والعاطفية، ومليئة بمشاهد الجنس الذي كُتب وصور بلغة راقية ترتبط وتكاد لا تنفصل عن الواقع السياسي وتغيراته التي تنعكس على شخصية بطل الرواية وحياته عن طريق مختلف علاقاته غير المستقرة مع النساء اللاتي أحبهن أم كن مجرد عابرات في حياة عابثة تبحث عن معنى وجودي لها، كما أنها تبين واقع المرأة التونسي بمختلف درجاته، وألوان طيفه من الريف إلى المدينة، ومن المرأة الأمية إلى المثقفة، وعن دور ومفهوم مؤسسة الزواج من خلال علاقة الطلياني بزينة كزواج مسمى بصداق، وعلاقته في نجلاء كعلاقة ترفض مؤسسة الزواج.