الهرب خوفاً
بدأ الرئيس الأميركي باراك أوباما يبدو أشبه برئيس يهرب خوفاً، فقد استغل «خطاباً مهماً» قبل أيام في واشنطن للدفاع عن «صفقته» التي لا يمكن الدفاع عنها مع إيران، وشبّه منتقدي هذه الصفقة الجمهوريين بالمتشددين في إيران، كذلك استخدم وزير الخارجية جون كيري تعابير مبتذلة منمقة في مقابلة مع إحدى المجلات لوصف ما يحاول هؤلاء النقاد الجمهوريون فعله بآيات الله المساكين في طهران.بدا الرئيس في البداية متعاطفاً مع منتقديه، ليهينهم بعد ذلك قائلاً: «أدرك أن اللجوء إلى القوة قد يكون مغرياً نظراً إلى الخطاب والسلوك النابعين من بعض أجزاء إيران، فهذا مهين ومثير للاستياء، ونحن نأخذه على محمل الجد»، ولكن (نشعر دوماً أن كلمة «ولكن» كبيرة قادمة).
أعلن الرئيس، مستخدماً أسلوب «تأكيد الذنب بالارتباط» القديم: «يُعتبر أولئك المتشددون [في إيران] الذين ينادون الموت لأميركا أشد المعارضين لهذه الصفقة، فهم يدعمون القضية ذاتها كما مؤيدي الجمهوريين».فما عاد يلام جورج بوش الابن على هفوات إدارته، ولم نسمع في الآونة الأخيرة تأكيدات أن الانتقادات الموجهة إلى صفقات الرئيس السيئة في الداخل والخارج ما هي إلا موجة من العنصرية، ويشكل هذا نوعاً من التقدم حسبما نفترض.سلك جون كيري اتجاهاً مختلفاً في مقابلة مع مجلة Atlantic، فقد حذّر من جرح مشاعر آيات الله، وإلحاق الضرر بحسن نوايا إدارة أوباما، فإن رفضت الولايات المتحدة صفقة أوباما مع آية الله الكبير، فما من سبيل إلى استعادة ثقته بالولايات المتحدة مرة أخرى، وذكر كيري: «لن يعود إلى المفاوضات حفاظاً على كرامته وبسبب شكه في إمكان الوثوق بالولايات المتحدة». إذا رفضت الولايات المتحدة القبول بما يقدمه لها أوباما من دون التحقق من ماهيته، فسينهار نظام حسن روحاني «المعتدل»، حتى لو بدا منهاراً أساساً في كل عاصمة غربية ما عدا واشنطن، وهكذا تحول الرئيس أوباما إلى ما يدعوه المفاوضون «الطرف الذي يؤدي دور محامي الخصم أو يفاوض ضد نفسه».هذا ما يحدث عندما تريد صفقة، أي صفقة، أكثر من الطرف الآخر الذي تفاوضه، فردت طهران على دعم أوباما المتزلف حسن نوايا الملالي والاتفاق الذي عقده معهم، باللجوء إلى السخرية وإهانة المنتقدين في الولايات المتحدة وخارجها.وأقر الرئيس نفسه في خطابه أخيراً بما كان الجميع يرددونه: أن إيران قد تستخدم المال الذي تحصل عليه من جراء تخفيف العقوبات لتموّل أعمالاً إرهابية جديدة في أماكن مختلفة، لكن الرئيس استدرك، معلناً: «في الواقع لطالما توصلت إيران إلى طريقة لتمويل هذه الجهود، ومهما كانت الفوائد التي قد تجنيها إيران من تخفيف العقوبات، تُعتبر تافهة مقارنة بالخطر الذي قد تشكله مع برنامج نووي».لا شك في ذلك، وهذا ما يجعل صفقة أوباما مع هؤلاء الإسلاميين المتشددين العنيدين أقرب ما تكون إلى الانتحار، إذ يتحدث الرئيس أوباما عن الكرامة وحسن النوايا، كما لو أنه هو لم يستغل ذلك على نحو قاتل في سعيه إلى تحقيق أهدافه «لتحويل» مسار الولايات المتحدة بطرق بدأت أخيراً تتضح بالكامل، ففي استيائه وغضبه يحاجج ويقلل من شأن منتقديه المحليين والحزبيين بطريقة لم يقدم عليها رؤساء سابقون، متهماً إياهم بتوحيد المصالح مع العدو.حصل أوباما على صفقته النووية الإيرانية المؤلفة من أجزاء متساوية من الأمل، والخضوع اليائس لرغبة مَن لا يتمنون للولايات المتحدة إلا الشر، والخداع لإبقاء التفاصيل مخفاة عن الشعب الذي يحكم باسمه، ولا يمكن لهذا أن يستمر، والرئيس يدرك هذا الواقع، وهذا ما يبرر غضبه واستياءه.