هل من أصداء لقصيدتنا العربية؟
![فوزي كريم](https://storage.googleapis.com/jarida-cdn/images/1498033753948674500/1498033754000/1280x960.jpg)
ويُنكر عليّ كثيرون هذا الموقف، وعادة ما يستظلون براية النظريات العنصرية التي أملاها الغرب في مراحل الاستعمار، مع أن أحاديثي لا تتجاوز الملموس، والتاريخي، إلى النظري المجرد. ولا تتجاوز ما كتبه مؤرخو العرب والفكر العربي أنفسهم، من أمثال أحمد أمين، وطه حسين، وجواد علي، وعلي الوردي، والجابري، وكثيرين غيرهم. ولكن الاستظلال بالراية النظرية، والهرب من مواجهة النفس لا الآخر، هو ذاته وليد ميل لفظي، للأسف. لأن الميل اللفظي كالميل الزخرفي في الفن البصري محضُ تجريد. وإذا صلُح هذا على الفن البصري، الذي عماده الجمال، فإنه لا يصلح بالضرورة على الفن الكلامي. وإنني لا أشذّ عن منطقي هذا حين اعتبرت موقف الشاعر أدونيس، بشأن الشعر والأخلاق (راجع أعمدتي السابقة)، إنما ينتمي في جوهره لهذا الميل اللفظي، حين يرى أن الشعر يجب أن يقوّمَ جمالياً فقط. أي، على سبيل المثال، يجب أن نقتصرَ على الاحتفاء بتأثير سعدي الشيرازي على الشعر العربي، بالنُظمِ الموسيقية المعروفة في الشعر الفارسي فقط. ولا نتجاوزه إلى أفق ورؤى الشاعر الروحية والفكرية. وهذا صدى لرأي الجاحظ، شيخِ النقاد، في عصر الازدهار العربي. فقد كان يرى الشعرَ، لا في المعاني: "فهي مطروحةٌ في الطريق يعرفُها العجميُّ، والعربيُّ، والبدويُّ، والقرويُّ، وإنما الشأنُ في إقامةِ الوزن، واختيارِ اللفظ، وسهولةِ المَخرجِ، وكثرةِ الماء، وصحةِ الطبعِ وجودةِ المعنى، لأن الشعرَ صناعةٌ وضربٌ من النسج والتصوير." وجاء رأيه الشهير هذا في معرض نقده لذائقة أبي عمر الشيباي، الراوية، لفرط إعجاب الأخير بالبيتين التاليين:لا تَحْسَبَنَّ الموتَ مَوْتَ البِلى وإنما الموتُ سؤال الرجالْكلاهـــــما مـــــــوتٌ ولكـن ذا أقطعُ من ذاك لِذُلِّ السؤالْفالشيباني أعجب بالمعنى. والإعجاب بالمعنى لا يعني إنكار جمال الصناعة. لأن جمالَ صناعة الشعر، كما أرى، وليدُ جمالِ المعنى بالضرورة. ولكن الجاحظ وأدونيس لا يرغبان في النظر إلى فن الكلام بهذا المنظار. هذا استطرادٌ ضروري، لا يخرج عن سياق رغبتي في الحديث عن كتاب المفكر الإيراني مهدي أمين رضوي، الذي سأواصله في حديثي القادم.