هل حقاً تحاربون «داعش»؟

نشر في 22-11-2015
آخر تحديث 22-11-2015 | 00:01
 ياسر عبد العزيز لقد وسّع تنظيم "داعش" نطاق عملياته، وزادت مساحة الأراضي والأجواء التي ينفذ فيها ضرباته، كما ارتفع عدد الدول التي يوجه لها تهديداته.

في نهاية الشهر الماضي، يبدو أن "داعش" تمكن، كما تقول أجهزة الاستخبارات الروسية والبريطانية والأميركية، من إسقاط طائرة روسية في سماء سيناء، بعد نجاحه في زرع قنبلة على متنها.

راح ضحية هذا الهجوم 224 سائحاً روسياً، في ضربة مزدوجة طالت اثنين من أعداء "داعش" الأساسيين: روسيا ومصر.

وفي 13 نوفمبر الجاري، استطاع "داعش" أن يروع العالم، بعدما نجح في شن نحو سبع هجمات منسقة استهدفت مدنيين في قلب العاصمة الفرنسية باريس، فأوقع نحو 130 قتيلاً ومئات الجرحى.

ليس هذا فقط، لكن هذا التنظيم أيضاً هدد الولايات المتحدة ودولاً أوروبية أخرى بشن هجمات ضدها، رداً على الهجوم الجوي الذي يتعرض له من تحالف دولي يستهدف الأراضي التي يسيطر عليها في سورية والعراق.

إضافة إلى هذا فإن "داعش" ينشط أيضاً في سيناء، ومناطق في شرق ليبيا ووسطها، وفي اليمن، وفي بعض الدول الإفريقية.

لدى "داعش" ارتكاز جغرافي يمنحه عمقاً جيداً، إذ تماثل مساحة الأراضي التي يسيطر عليها في سورية والعراق مساحة بريطانيا، وفي الوقت ذاته، فإنه يتمتع بمساحات من "التعاطف والتعاون" في مساحات أخرى ملاصقة تعزز عمقه وتمنحه مزايا لوجستية.

وكما نعلم جميعاً، فإن "داعش" نشأ كتنظيم "إسلامي/ سني/ سلفي/ جهادي"، وهو أمر يظهر بوضوح في كل أدبياته، وخطابه الاتصالي، وهوية القائمين عليه، ومعظم ممارساته.

ورغم أن "داعش" استطاع أن يضرب في قلب أوروبا، ووصل إلى قارة إفريقيا وتمكن من الضرب في ليبيا وغيرها، فإنه لم يستطع الوصول إلى إسرائيل.

لم يضرب "داعش" إسرائيل أبداً، وتلك الأخيرة قدمت الكثير من المعلومات التي تخص التنظيم وبعض عملياته، وتعتبر مرجعاً أساسياً لكثير من أجهزة الاستخبارات العالمية عند تقصي بعض عملياته.

لا يبدو أن "داعش" تنقصه القدرات الاستراتيجية أو التكتيكية التي تمكنه من استهداف إسرائيل، ولا يبدو أن منهجه وخطابه يستبعد إسرائيل من بين الدول التي يستهدفها ويعاديها، لكنه لا يفعل، وباستثناء تهديد غائم ومقتضب قبل شهر، لم تكن إسرائيل على لائحة خطابه وتهديداته المتكررة.

لقد انتفضت دول العالم الغربي بشدة في أعقاب هجمات باريس المروعة، وراحت تبحث في وسائل الحد من قدرة "داعش" على اختراق أمنها، ولذلك فقد خرجت معلومات عديدة للعلن.

بعض تلك المعلومات كان معروفاً من قبل، وبعضها كان مجهولاً تماماً، لكن وضع المعلومات المتوافرة كلها بجانب بعضها يعطي للمشهد معنى وسياقاً.

من بين المعلومات المتوافرة من مصادر عديدة متطابقة أن عدد الغربيين (أو حاملي جوازات السفر الغربية) المنضمين إلى "داعش" والمقاتلين في صفوفه في سورية والعراق، يراوح ما بين 2000 إلى 3000 مقاتل.

تفيد المعلومات أن السلطات الغربية تعرف هؤلاء "الدواعش" والمتعاطفين معهم وترصدهم وتراقب تحركاتهم.

وتحفل وسائل الإعلام العالمية بالكثير من القصص المشوقة التي يحكيها مواطنون غربيون عادوا للتو من مناطق "الدولة الإسلامية"، كما سيتيح استعراض موقع "يوتيوب" الاستماع مباشرة إلى شهادات عدد كبير من العرب الذين قاتلوا مع "داعش" ثم عادوا إلى دولهم.

يتحدث سعوديون وتونسيون ومصريون لوسائل إعلام مختلفة عن الفترات التي أمضوها في القتال في صفوف "داعش"، وينقل "يوتيوب" تلك الفقرات، ويمكن من خلال تحليلها التعرف إلى عدد من العناصر المشتركة.

أول هذه العناصر يتلخص في أن كل هؤلاء (سواء كانوا عرباً أو غربيين أو آسيويين أو أفارقة) دخلوا إلى أراضي "داعش" عن طريق تركيا.

تركيا جزء من التحالف الدولي ضد "داعش"، لكن أحداً من أعضاء التحالف لا يسألها عن الإجراءات التي تتخذها للحد من تدفق المقاتلين على هذا التنظيم عبر أراضيها.

إن "داعش" يمتلك أسلحة وأموالاً سائلة ضخمة ويحصل على حاجاته وحاجات السكان الواقعين تحت سيطرته بسهولة شديدة.

يبيع "داعش" نفطاً بما يراوح ما بين 2 إلى 4 ملايين دولار يومياً، بما يؤمن له دخلاً شهرياً يفوق الـ 100 مليون دولار.

لكن السؤال هو: لمن يبيع "داعش" نفطه؟

ليس أمام "داعش" فرصة لبيع نفطه أو نقله سوى من خلال النظام السوري، أو تركيا، أو الأردن.

في أعقاب هجمات باريس، أعلنت مجلة "دير شبيغل" الألمانية أن لدى "داعش" 46 ألف حساب على موقع "تويتر"، وأنه يذيع نحو ألف شريط فيديو على شبكة "الإنترنت".

وفي غضون ذلك، صوّت مجلس النواب (البرلمان) العراقي بالإجماع، يوم 19 نوفمبر الجاري، على حظر مواقع "داعش" المختلفة على الشبكة العنكبوتية، كما أعلن موقع "تلغرام" الروسي حظر حسابات التنظيم والحسابات المرتبطة به.

إن هذا الأمر مثير للاهتمام حقاً؛ إذ يبدو أن الجميع يعلم أين يوجد تأثير "داعش" وعناصره وصوته وخطابه، لكن لا أحد يهتم بحجب هذا الصوت أو إسكاته طالما أنه لم تقع ضربات في قلب عاصمة أوروبية.

تشير تقارير كثيرة إلى تمويلات ومعدات تأتي إلى "داعش" من دول في المنطقة، لكن أحداً لم يطلق عملية واسعة لتعقب تلك التمويلات أو تجفيف منابعها حتى اللحظة الراهنة.

سيعزز هذا من فكرة أن العالم يريد أن يحتوي "داعش" من دون أن يقضي عليه، وهو الأمر الذي بدا واضحاً على أي حال في خطاب أوباما حيال التنظيم، كما يظهر كذلك في خطة التحالف الدولي وطبيعة الموارد ووتيرة الاستهداف التي حددها للتعامل معه.

إن العالم لا يظهر جدية كافية لإنهاء "داعش"، لأن دولاً عديدة تستفيد من وجوده من جانب، ولأنه لم يتخط أياً من الخطوط الحمراء من جانب آخر.

يقودنا ذلك إلى أن "دول القرار" قد تفاجئنا في يوم قريب باعتبار "داعش" دولة "مكروهة" أو "معزولة"، لا "تنظيماً إرهابياً"، وبالتالي فسنكون جميعاً مجبرين على التعامل معها.

نبت "داعش" في الشرق الأوسط (سايكس- بيكو) كتنظيم إرهابي، لكنه ربما يكون أول دولة تُزرع في "الشرق الأوسط الجديد".

* كاتب مصري

back to top