واشنطن لا تشجع الشيعة على استرجاع الرمادي
لا شيء كشف عيوب الائتلاف الدولي والحكومة العراقية وحلفائها، مثل ملف الرمادي مركز محافظة الأنبار الذي سقط بيد «داعش» قبل ستة أسابيع.لا لأن المدينة صمدت سلفاً 17 شهراً بإمكانات عشائرها، ولا لأن رئيس الحكومة حيدر العبادي وعد بتحريرها فوراً، ثم عاد واعترف مرتين بأنه لا يفهم سبب انسحاب الجيش منها وفسح المجال أمام «داعش»، بل لأن التنظيم المتشدد لا يمتلك أي مقومات في هذه المنطقة المحاذية لبغداد والنجف، سوى حقائق الصراع وأزمة الثقة بين المقاتلين العراقيين وقوات التحالف.
والعبارة التي تختصر الموقف، كما يبدو من حديث الصالونات السياسية في بغداد، هي أن «التحالف» يمنع الحشد الشعبي الشيعي من دخول الرمادي، كما أن الحشد وحليفته طهران، يحذران واشنطن وحلفاءها من دخول الرمادي، بينما يستفيد «داعش» من هذا التناطح فائدة قصوى ويوطد استقراره هناك. وعلى الطاولة تصوران متناقضان حول الرمادي، فالإيرانيون وحلفاؤهم يعتقدون أن هذه المنطقة «عمق استراتيجي» للشيعية السياسية، تضمن بقاء الطريق البري مفتوحاً بين طهران ودمشق، ولذلك يرفضون منح القوى السنية هناك صلاحيات إدارية وأمنية تجعل منهم قوة معترفاً بها داخل الفدرالية العراقية، أما واشنطن فتعتقد أن على طهران أن تكتفي بنفوذها المتزايد في بغداد وجنوبها، وأن تكف عن التمدد غرباً وشمالاً حيث السنة والأكراد.وفي هذا الإطار، تقول المصادر إن واشنطن نجحت في تأخير هجوم «الحشد» في الرمادي، إذ سربت معلومات تفيد بأن «داعش» يجهز لـ»معركة حاسمة»، ما جعل الجماعات الشيعية تتأنى في اتخاذ قرار باقتحام الفلوجة كمدخل لمركز محافظة الأنبار، وتختلف بشدة حول معركة الرمادي، حتى بات شائعاً القول إن الأميركيين نجحوا في «تخويف الشيعة» من هذه المعركة.لكن الجميع يتساءل اليوم: إلى أين نمضي؟ فمن دون إعادة الاعتبار لتفاهم سياسي وعسكري سيتاح لـ»داعش» أن يتمدد أكثر ويهدد مناطق إضافية، بينما كانت الخطط تقضي قبل شهور بكبح جماحه حتى طرده من نينوى الشمالية، لكن مفاجآت عدة أجلت التفاهمات السياسية الداخلية، وشوشت على التعاون الضعيف أصلاً، بين المسلحين الشيعة وجهود الإسناد الأميركي، كما تلكأ مشروع استيعاب المتطوعين السنة في وحدات ما يسمى بـ»الحرس الوطني»، وتأخرت إجراءات كثيرة كانت تهدف إلى تخفيف الاحتقان الطائفي.وفي هذا الإطار يصبح مفهوماً أن أي تحرك جدي لتحرير نينوى والأنبار لن يحظى بإسناد أميركي أو يصبح ممكناً، من دون تنشيط التفاهمات السياسية الداخلية، وهو ما يعني انتظاراً لتفاهم بين واشنطن وطهران، في لحظة عجز الأطراف العراقية عن إحياء أي اتفاق كبير، سبق أن أبرم خلال الخريف الماضي ضمن صفقة تشكيل حكومة العبادي، التي بات من الواضح أن طموحاتها الإصلاحية تعرضت لإجهاض شبه كامل.