تبدو شوارع السليمانية، ثاني أكبر مدينة في إقليم كردستان العراق، شبه خالية إثر القلق من تواصل الاحتجاجات في المدينة وضواحيها لليوم الرابع على التوالي، مصحوبة بسقوط عدد من القتلى وعشرات المصابين، والسبب المعلن هو أن موظفي إقليم كردستان لم يتسلموا معاشاتهم منذ نحو 4 أشهر.
فمع انخفاض كبير في أسعار النفط، وفاتورة الحرب بعد ظهور «دولة داعش» المتاخمة، انتهى عصر الرفاهية بالنسبة إلى الإقليم الكردي، حيث توقفت معظم الاستثمارات واختفت السياحة، وعجزت الإدارة الذاتية عن دفع المرتبات، وهي مدينة الآن بنحو ثلاثة مليارات دولار لمليون موظف في القطاع العام (من أعلى نسب التوظيف في العالم بالنسبة لمجتمع لا يتعدى سكانه ٥ ملايين نسمة).ويبيع الإقليم نحو ٦٠٠ ألف برميل نفط يومياً، لكن شركات أجنبية عملاقة هي التي تدير القطاع، وتطلب استرداد استثماراتها، حيث لم تتسلم حصتها من العوائد منذ سنوات، بسبب خلافات مع بغداد، ما يعقد الوضع المالي للأكراد بنحو غير مسبوق.ومنذ عقود، هناك حزبان رئيسيان في هذه المنطقة الكردية، ففي جهة الحدود مع إيران حيث السليمانية وإلى الجنوب منها كركوك، يهيمن «الاتحاد الوطني» بزعامة جلال الطالباني الرئيس السابق للعراق، وفي جهة الحدود مع تركيا بموازاة سورية، هناك حزب مسعود البرزاني رئيس الإقليم، في أربيل ودهوك. وتعرف منطقة السليمانية بتاريخها اليساري العلماني وحماسها للثورة وأيضاً بقربها السياسي والجغرافي من إيران، بينما تعرف أربيل بأنها متماسكة عشائرياً، وناشطة مع محيطيها العربي والتركي، ومرتابة من التمرد والثورة، كمجتمع محافظ إلى حد كبير.وأخطر ما في هذه التظاهرات أنها تغذي الانقسام الحزبي والاجتماعي، إذ إن المتظاهرين في السليمانية يعربون عن غضبهم حيال الائتلاف الحكومي الذي تشارك فيه كل الأحزاب، غير أن الاحتجاج اتجه نحو مقرات حزب البرزاني المنافس داخل المدينة وفي ضواحيها. ويقول أنصار الطالباني إن الغضب عفوي وخطير لأنه يمتد إلى ثماني ضواحٍ، ويصحبه العنف، رغم أنه يستهدف فقط حزب رئيس الوزراء المنتمي إلى عائلة البرزاني، خاصة مع سقوط قتيلين أمام مقر لحزب البرزاني لم يتضح هل سقطا برصاص حرس الحزب، أم بسبب قوات الأمن التابعة لطالباني. وهذا ما يجعل الخصوم في أربيل يقولون إن توقيت هذه الاحتجاجات معبر جداً، فقد رفضت أربيل التنازل بشأن دستور الإقليم ومنصب الرئيس، وبالتالي صلاحيات إدارة ملف النفط والجيش، الذي ظل من حصة العاصمة أربيل بشكل أساسي. وإذ تدخلت طهران لإثارة الموضوع واللعب على التناقضات مطلع الصيف، فقد تدخلت واشنطن لتهدئة الأطراف وتأجيل الحسم «لأن وضع المنطقة حساس جداً».ووسط تواصل الاشتباك، يقول التيار الداعي إلى الحوار إن على الأحزاب الرئيسية تهدئة الجمهور وتوضيح مصير عوائد النفط وتأجيل الخلافات، كما يؤكد المراقبون أن الأوضاع «لن تنفلت» إلا إذا قرر اللاعبون التصعيد، لكن ذلك لن يلغي التساؤل الكبير الذي يهم القسم العربي من العراق أيضاً، إذ يمكن عبر التسويات تأجيل انتفاضات الجياع على حكومة مفلسة في أربيل أو بغداد، لكن ماذا لو استمرت الحرب وتواصل العجز المالي، وصار مستحيلاً بقاء الخارطة السياسية على حالها، تحت سماء تعمها فوضى الصواريخ الروسية والمقاتلات الأميركية، ومن يمتلك في هذه اللحظة مفاتيح مناسبة لإدارة الخسارات؟
أخبار الأولى
كردستان: انتفاضة جياع وتصفية حسابات
12-10-2015