حرب النفط المشتعلة بين السعودية وروسيا

نشر في 24-10-2015
آخر تحديث 24-10-2015 | 00:01
صراع أسعار بدأ منذ سبعينيات القرن الماضي، حينما كانت السعودية تشحن نصف نفطها إلى أوروبا، ولكن الاتحاد السوفياتي حينذاك بنى أنابيب تصدير إليها من حقول نفطه الوفيرة بغرب سيبيريا، لتتوجه السعودية نحو آسيا، حيث كان الطلب يتزايد، لتستمر حصة المملكة في السوق الأوروبية في الهبوط، حتى وصلت عام 2009 إلى 5.9% فقط.
 بلومبرغ • بينما كان الرئيس فلاديمير بوتين يحاول استعادة دور روسيا كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط عمدت المملكة العربية السعودية إلى توجيه ضربة إلى أرضيته الصلبة عن طريق تزويد بولندا بالنفط بأسعار متدنية.

وفي منتدى استثماري انعقد أخيراً اشتكى إيغور سيشين، وهو الرئيس التنفيذي لشركة روزنفت أكبر شركة نفط روسية من دخول السعودية الى السوق البولندية وقال: "إن السعودية تطرح إنتاجها بصورة نشيطة".

ويتملك القلق الرؤساء التنفيذيين الروس أيضا، إذ قال نيكولاي رابشنكوف وهو تنفيذي في شركة "تانتفت" في مؤتمر طاولة مستديرة انعقد الأسبوع الماضي: "أليست هذه أول خطوة نحو اعادة تقسيم الأسواق الغربية؟ ألا يتعين أن تحتوي استراتيجية الحكومة في مجال الطاقة على بعض الإجراءات التي من شأنها حماية مصالح روسيا في الأسواق الغربية الحالية؟".

ويؤكد التجار وأصحاب المصافي في أوروبا أن السعودية كانت تعرض نفطها بخصومات كبيرة تجعله أكثر جاذبية من الخام الروسي، وحتى مع اعتماد معظم المصافي في أوروبا الشرقية على خليط الخام الروسي من الوجهة التقنية يحق لرجال النفط في روسيا ان يشعروا بقلق.

في حقبة السبعينيات من القرن الماضي كانت السعودية تشحن نصف نفطها الى أوروبا، ولكن الاتحاد السوفياتي حينذاك قام ببناء أنابيب تصدير من حقول نفطه الوفيرة في غرب سيبيريا، لتتوجه السعودية نحو الأسواق الآسيوية، حيث كان الطلب يتزايد كما يمكن الحصول على أسعار أفضل. إلى ذلك استمرت حصة السعودية في سوق الخام الأوروبية في الهبوط والتراجع، وفي عام 2009 وصلت تلك الحصة الى 5.9 في المئة فقط.

من جهة اخرى بلغت حصة روسيا ذروتها في سنة 2011 ووصلت الى 34.8 في المئة، وفي السنوات الأخيرة زادت السعودية حضورها بشكل بطيء، ووصلت الى 8.6 في المئة في عام 2013، ولكنها لم تحاول قط أن تجرب حظها في بولندا.

ومثل معظم دول أوروبا الوسطى والشرقية كانت بولندا ولفترة طويلة من الزمن واحدة من زبائن شركات النفط الروسية، وفي السنة الماضية بلغ حوالي ثلاثة أرباع مستوردات وقودها من روسيا، وجاءت البقية من كازاخستان والدول الأوروبية، وعلى أي حال تظل بولندا في خضم الجهود الرامية الى خفض اعتماد الاتحاد الأوروبي على مصادر الطاقة الروسية.

ومنذ قيام فلاديمير بوتين بضم شبه جزيرة القرم من أوكرانيا في السنة الماضية رفعت بولندا – جارة أوكرانيا – انفاقها العسكري بغية تعزيز أمنها، وتعمل بولندا أيضاً مع عدد من الدول الصغيرة المجاورة لها (وقد أعلنت في الأسبوع الماضي عن اتفاقات مع ليتوانيا ولاتفيا واستونيا) من أجل بناء خط أنابيب للغاز الطبيعي من وإلى دول البلطيق بشكل يضمن استقلالها عن خطوط أنابيب الغاز الروسي في المستقبل.

وفي هذا السياق، فإن مورداً جديداً وموثوقاً يعتبر نعمة حقيقية، وبالنسبة إلى السعودية فهي في حاجة الى التوسع خارج آسيا حيث ينخفض الطلب.

يذكر أن الكرملين ورجال صناعة النفط في روسيا شعروا منذ زمن بعيد بأن أوروبا تسعى إلى تنويع مصادر الطاقة، وعملوا على دخول أسواق جديدة، وحتى حقبة الـ 2000 كانت كل صادرات النفط الروسية تقريباً تتوجه إلى اوروبا، وبحلول العام الماضي تقلصت تلك الحصة الى أقل من الثلثين.

وفي الأسواق الآسيوية أصبحت روسيا منافسة خطيرة للسعودية، وفي شهر مايو الماضي تجاوزت امدادات الخام الروسي – ولو بصورة مؤقتة – الى الصين صادرات السعودية، ونظراً لأن السعودية منهمكة في حرب أسعار ضارية حول الحصة السوقية، ليس مع منتجي الزيت الصخري في الولايات المتحدة فقط، بل مع كل الأعضاء من خارج منظمة أوبك، بدأت السعودية بدخول الأسواق التقليدية الروسية.

وقد يمثل ذلك مباراة حامية وأكثر نشاطاً بين أكبر دولتين مصدرتين للنفط في العالم، وهما في خلاف حول النزاع الدائر في سورية، وحتى الآن تتوقع منظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية حدوث توسع معتدل في الطلب خلال السنة المقبلة، ولكن إذا استمر سوء أداء الاقتصاد الصيني بقدر أكبر من المتوقع فإن تلك السوق قد تصبح صغيرة جداً بالنسبة الى السعودية وروسيا، كما أن اقتصاد البلدين يعتمد على النفط والحفاظ على حصة سوقية يعتبر مسألة بقاء.

المنافسة النفطية لعبة خطيرة في سياسة بوتين الشرق أوسطية، ويأمل الرئيس الروسي في أن تحصل بلاده، بعد دخول حليفته إيران من جديد الى أسواق النفط والغاز العالمية، بطريقة ما على حصة من الأرباح، وربما من خلال خطوط أنابيب جديدة عبر سورية. ويريد بوتين أيضاً منع السعودية من اقامة طرق تصدير في سورية، ومع تعرض الريادة الروسية في مجال الطاقة للخطر في أوروبا أيضاً قد يزداد تصميم بوتين على حل النزاع في سورية وفقاً لشروطه.

* ليونيد بيرشيدسكي | Leonid Bershidsky

back to top