المطوي في غموضه 1

نشر في 07-12-2015
آخر تحديث 07-12-2015 | 00:01
 فوزية شويش السالم المطوي في غموضه هو ذاك الفن الذي لا يمنح نفسه بسهولة، ولا يمكن قطفه بابتذال الشائع والسهل والعام، كما أنه لا يمكن تعلمه كدروس حرفية تحول سموه وقيمته العالية إلى حرفة يقصدها كل من كان وكل من تصور أنه قادر على أن يطويها وينطوي فيها لأجل أن ينال حظوة مجدها وشهرتها وينام تحت رايتها.

أكتب هذا المقال بعد انتشار ورشات العمل الروائي والفني للفنون التشكيلية والسينمائية، التي تعلم الكتابة الروائية والرسم والتمثيل والإخراج، وكل هذا جميل كتعلم ومعرفة لمن هو أصلاً موهوب ويملك أدوات تؤهله لممارسة أي من هذه المجالات الفنية وتعمق جذوره فيها، ومن لا يملك موهبة عظيمة لن تخلق منه فناناً أو كاتباً عظيماً، لكنها في النهاية وطبقاً لمواصفات عصرنا الذي اتصف بالخذلان لكل القيم الكبرى وهرول إلى الانحدار الاستهلاكي التجاري المهرول إلى مجاري النسيان السريع، بات إنتاج هذه الورش ملائماً تماماً لمعطيات هذا الوقت الذي لا يتطلب أكثر من شطيرة ساندويتش أو سناك صغير حتى تُهضم في هذا العبور الخاطف۔

ومن ورشة محترف نجوى بركات في دورته الثانية قرأت رواية "جارية" للكاتبة البحرينية منيرة سوار، وهذه هي روايتها الثالثة التي أنجزتها في المحترف ونالت عليها جائزة كتارا القطرية، وأول رواية قرأتها لها.

رواية جارية تطرح أزمة فتاة مع لونها الأسود بشكل غريب غير مقنع أن تكون كل أزمتها هي لونها الداكن، وأن تنبت عنصريتها من ذاتها إلى ذاتها لا من الآخرين، ففي المجتمع العربي والخليجي بالذات لا توجد العنصرية الناتجة من اختلاف اللون، مما أعطى الرواية سبب واهياً لتشكيل عقدتها وحبكتها، وكي يكون حكمي له مصداقية سألت أشخاصاً سمراً عن اللون الداكن هل يسبب للسود أي إحساس بالنقص أو الشعور بالكره للونهم وتفضيلهم للون البشرة الفاتح؟

وكان جوابهم ربما قلة تكره لونها الداكن، خاصة في مجتمعات لم تفرق بين مواطنيها تبعاً لألوانهم. الرواية منطبق عليها كل شروط كتابة الرواية بنجاح من حيث الحبكة والتصاعد الدرامي والتوتر الإيقاعي الذي يقود لنهايتها التي تكشف أنها آتية من سلالة أبيض، فوالدها التاجر اغتصب ابنة العبد الذي يشتغل عندهم وخلفت بطلة الرواية التي لم يخبروها أنه والدها، كما أنه لم يعلم أنها ابنته.

هذه هي عقدة الرواية مع شوية "تحبيشات" أي بهارات مثل ماذا نضيف أيضاً، وكيف نتصاعد بالحدث، وكيف نحدد مكان الرواية؟ نقول إنها تعمل بصالون تجميل للنساء، ونسأل ماذا يوجد داخل ها الصالون، نكتب عاملات مختصات في تسريح الشعر وتزيين النساء، نسأل عن كيفية إدارة العمل وما هي الأدوات التي يحتاج إليها العمل في الصالون؟ أمشاط وفراشي شعر وشامبو وكنديشنر وطلاء للأظافر وأدوات للماكياج إلخ.

والسؤال الأهم كيف تدور الحياة داخل هذا الصالون ما بين العاملات والزبونات؟

وهنا لابد أن نخلق دراما في حياة من يعمل داخل الصالون ومن يأتي إليه من خارجه؟

وماذا بعد نخلق قصة حب من طرف بطلة الصالون السمراء والكوافير اللبناني الشاذ الوسيم الذي تحبه من طرفها ولا تعرف عن شذوذه إلا في نهاية الرواية، وفجأة ينتهي هذا الحب بكبسة زر حين تكتشف أنها تحب ابن عمها الأسمر الذي يحبها من زمان وهي ترفضه.

وتنتهي الرواية المركبة بحسب الأصول التي تبينها الورشات الكتابية والتي تقود الكاتب إلى طريق الكتاب التجاريين المطلوبة سلعتهم لزمن استهلاكي لا يأبه بقيمة الشيء بقدر ما يعني له من استهلاك وقتي سريع، وهذه الرواية تندرج تحت هذا البند، يقرأها قارئ لا يملك العمق الكافي وأصلاً لا يريده، فهو مكتف بسطحيته الملائمة والمتناغمة تماماً مع عصره، يقرأها لتمضية وقت لا يوجد فيه إرسال للإنترنت، ومن ثمة يتركها على أي مقعد خلفه.

السؤال الذي يطرح نفسه: هل الرواية هي كتابة نتعلم أسسها الكتابية ومن ثمة تصبح رواية ونحنُ نبيت روائيين لمجرد معرفتنا وتعلمنا لكيفية كتابتها؟

إذا كان الأمر بهذا السهولة وبقليل من التدريبات على كتابتها ننال حظوة مجدها السريع، فإذن سيكون لدينا في المستقبل الملايين من كتاب الرواية الحرفيين مثلهم مثل النجارين والسباكين والكهربائيين وغيرهم من أهل الحرف الجاهزة.  

back to top