ما قل ودل: المخرج الدستوري والقانوني من شرط الضرورة

نشر في 03-01-2016
آخر تحديث 03-01-2016 | 00:01
 المستشار شفيق إمام المحكمة الدستورية أرادت بحكمها بـ «عدم دستورية المرسوم بقانون بإنشاء الهيئة العامة لمكافحة الفساد لانتفاء الضرورة» أن تؤكد رقابتها القضائية على شرط الضرورة، إعلاءً لكلمة الدستور والمحافظة على نصوصه وكيانه، ونزولاً على أحكامه.

في مقالي الأحد الماضي تحت عنوان" بين ضرورة توجب القضاء على الهيئة وضرورة توجب الإبقاء عليها" تناولت حكم المحكمة الدستورية الصادر يوم الأحد قبل الماضي بعدم دستورية المرسوم بقانون بإنشاء الهيئة، لانتفاء الضرورة، في الوقت الذي عرجت فيه على مبدأ مهم للقضاء الدستوري ذاته في مصر وفي الكويت أبقى فيه على قوانين وقرارات أصدرها برلمان قضت المحكمة الدستورية في البلدين ببطلان انتخابه، بسبب ضرورة أخرى نشأت بعد وجود هذا البرلمان، هي ضرورة استقرار النظام القانوني للدولة، وفي محاولة لحل هذه المعضلة، بدت لنا بعض المعطيات التي نراها ضرورية للتوصل إلى هذا الحل.

ترسيخ لرقابة الضرورة

وأعتقد أن المحكمة الدستورية قد أرادت بهذا الحكم الذي بسطت فيه رقابتها على شرط الضرورة في استخدام السلطة التنفيذية لهذه الرخصة الاستثنائية في إصدار المرسوم بقانون بإنشاء الهيئة في غياب مجلس الأمة، إعمالا لأحكام المادة (71) من الدستور، أن تؤكد رقابتها القضائية على شرط الضرورة مرة ثانية، إعلاءً لكلمة الدستور والمحافظة على نصوصه وكيانه، ونزولا على أحكامه، وهو ما ذكرته المحكمة في حيثيات حكمها عندما بسطت رقابتها القضائية على شرط الضرورة، لأول مرة، في الطعن المرفوع أمامها على المرسوم بقانون رقم 21 لسنة 2013 بإنشاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات، والذي قضت المحكمة بجلستها المعقودة بتاريخ 16 يونيو سنة 2013 بعدم دستوريته لعدم توافر شرط الضرورة في إصداره، لأن مناط استخدام هذه الرخصة الاستثنائية، كما جاء في أسباب الحكم، أن تقتضيها ضرورة ملحة في إصداره أو أن يكون إصداره توقيا لخطر تعذر ضرورة رده، ولم تر المحكمة، كما جاء في هذه الأسباب، في المسائل التي تناولها بالتنظيم سواء فيما يخص إنشاء هذه اللجنة، أو ما يتعلق بإدخال بعض التعديلات على قانون انتخاب أعضاء مجلس الأمة بمناسبة إنشاء هذه اللجنة، ما يوجب اتخاذ إجراءات تشريعية عاجلة لا تتحمل الأناة والانتظار أو (مصلحة الدولة العليا) هي التي دعت إلى إصداره على نحو ما جاء بالمذكرة الإيضاحية لهذا المرسوم، إذ إن المصلحة العليا للبلاد أعظم شأنا وأعلى قدرا من أن تختزل في محض إنشاء لجنة، تحقيقاً للمزيد من النزاهة والشفافية في الانتخابات، أو في إدخال بعض التعديلات على أحكام القانون رقم (35) لسنة 1962 بسبب إنشاء هذا الكيان.

وإن هذا المرسوم بقانون إنما يمثل، في حقيقة الأمر، خروجاً سافراً على نص المادة (71) وعلى الأغراض التي وضعت من أجلها هذه المادة. (الحكم الصادر بجلسة 16/ 6/ 2013 في الطعن رقم 15 لسنة 2012).

ترحيب بحكم الرقابة القضائية... أسبابه

والواقع أن هذا الحكم كان محل ترحيب الجميع، حتى مع من يختلفون مع بسط الرقابة القضائية، على شرط الضرورة، وخصوصاً بالنسبة إلى المراسيم بقوانين التي يقرها مجلس الأمة، وكان مبعث هذا الترحيب هو ما تمخضت عنه هذه الرقابة من إلغاء اللجنة الوطنية العليا للانتخابات التي أثار إنشاؤها قلقا لدى الكثيرين ممن يحرصون على كرامة القامات الكبيرة من رجال القضاء الذين تضمهم اللجنة الوطنية العليا للانتخابات وهيبتهم، من أن تكون قراراتهم بشطب المرشحين للانتخابات محل طعن وتجريح، أمام المحاكم، بما يهدر مصداقيتهم وحيدتهم وعدالتهم أمام المواطنين، وبما يزعزع ثقة البعض بقضاته أو بقضائهم الشامخ.

وحرصا على بقاء هذا القضاء بعيدا عن المعترك السياسي، وإبقاء الإشراف القضائي على الانتخابات للقاضي الطبيعي، سواء في ما يخص الطعن في جداول الانتخابات، قيدا وحذفا أمام قاض من قضاة المحكمة الكلية، أو الطعن في قرارات وزير الداخلية بإعلان قوائم المرشحين أمام الدائرة الإدارية أو الطعون الانتخابية التي تختص بالفصل فيها المحكمة الدستورية، وإن إرادة الناخبين أخيراً هي القضاء الشعبي في كل ما يتعلق بسيرة المرشحين ومسيرتهم.

لوائح الضرورة وقانون الانتخاب

ومن الجدير بالذكر أيضا في سياق الترحيب بما قضى به حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية المرسوم بقانون بإنشاء اللجنة العليا للانتخابات، ما يراه بعض الفقه من أن "لوائح الضرورة، لا تستطيع أن تتناول تعديل قوانين الانتخاب، لأن وجوب دعوة البرلمان إلى اجتماع غير عادي على وجه الاستعجال لعرض لوائح الضرورة عليه، يفترض أن يكون ذلك بناءً على قانون الانتخاب المعمول به وقت اجتماع البرلمان". (د. عبدالحميد متولي- القانون الإداري، 19368 ص 59).

ويعزز هذا البعض رأيه بأن حل مجلس الأمة يعتبر بمثابة احتكام للشعب ليقول كلمته في الخلاف الدائر بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، فإذا عدلت هذه الأخيرة قانون الانتخاب أثناء فترة الحل فإنها تفعل ذلك لضمان وصول أعضاء جدد إلى المجلس يؤيدون موقفها، كما أنها تضع النواب المنتخبين بموجب هذا التعديل في موقف صعب عند إقرار هذا التعديل، إذ عليهم أن يوافقوا عليه وإلا اعتبر انتخابهم طبقا لأحكامه باطلا. (د. عادل الطبطبائي– النظام الدستوري في الكويت– دراسة مقارنة- ص 590).

الرقابة القضائية ليست غاية في ذاتها

ولأن الرقابة القضائية على شرط الضرورة ليست غاية في ذاتها بل وسيلة لغاية أسمى، ذكرها الحكم المشار إليه الذي بسط لأول مرة رقابة المحكمة على هذا الشرط، هي إعلاء كلمة الدستور والمحافظة على نصوصه وكيانه والنزول على أحكامه، فقد كان ماثلا أمام عدالة المحكمة، وهي ترسي هذه الرقابة في حكمها الثاني، وتقرر في الوقت ذاته، أن هناك مصلحة عليا أولى بالاعتبار من شكليه تبدو ثانوية أمام هذه المصلحة، والتي تتمثل بأمرين يمثلان الضرورة في الإبقاء على الهيئة العامة لمكافحة الفساد:

أولهما: استقرار النظام القانوني في الدولة، وهو ما اعتبره كذلك القضاء الدستوري في أحكام أخرى، وهو ما تناولناه في مقال لأحد الماضي.

ثانيهما: حماية المال العام، والذي اعتبر الدستور حرمته واجبا على كل مواطن، في المادة 17، لأن في الإبقاء على هيئة أنشئت لمكافحة الفساد تفعيلا لهذا الحكم الدستوري.

ولئن كان هذا الأمران، وحمايتهما ما يكفي للإبقاء على الهيئة العامة لمكافحة الفساد، فإنه لم يكن يعوز المحكمة الدستورية أن تستند إلى مبادئ شرعية ودستورية ونظريات قانونية تعزز كذلك الأساس المكين للتغاضي عن الضرورة كشكلية لازمة لإصدار المراسيم بقوانين في غيبة مجلس الأمة منها:

1- أن الدستور وحدة واحدة، وأنه لا يجوز أن يطبق نص من نصوصه بمعزل عن نصوص الدستور الأخرى.

2- مبادئ الشريعة الإسلامية التي تعتبر مصدرا رئيسا للتشريع طبقا للمادة الثانية من الدستور، ومصدراً تاليا للتشريع في إصدار أحكامه.

3- السياسة القضائية police judiciaire القضاء الإداري والقضاء الدستوري.

4- الإجازة اللاحقة كالإقرار السابق، ويعتبر إقرار مجلس الأمة للمرسوم بقانون إجازة للضرورة التي أملت على السلطة التنفيذية إصداره، كالإقرار السابق.

5- نظرية تحول العمل القانوني الباطل، إلى عمل قانوني صحيح إذا توافرت فيه أركان العمل الأخير.

ونتناول بالتفصيل في مقال قادم بإذن الله بعضا من هذه المبادئ والأحكام بالقدر الذي يتسع له المقال الصحافي.

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top