تمرّ ذكرى أديب نوبل نجيب محفوظ هذه الأيام وسط شعور بغضب وإحباط لدى كثير من المثقفين وقراء أدبه، ذلك لاختفاء أعماله من المكتبات بعد احتكار «دار الشروق» لها، التي لا تطرحها في المكتبات بانتظام، علاوة على اقتصار المعروض منها على أعمال قليلة جداً وبيعها بأسعار باهظة، ليست بمتناول المواطن العادي.

Ad

قال عضو  «اتحاد الكتاب المصري» حزين عمر إن الوسط الثقافي العربي عموماً والمصري خصوصاً، تضرّر كثيراً جراء احتكار الأعمال الأدبية لكبار المثقفين، لا سيما كتابات الأديب نجيب محفوظ، مؤكداً أن دور النشر الخاصة هي المستفيد الوحيد من نظام تجاري حجب كثيراً من أعمال المبدعين وحرم أجيالاً كثيرة من قراءة الكتابات المهمة، موضحاً أن أعمال كبار الأدباء من حق الجميع ويحق المجتمع أن يتداولها، مشيراً إلى اقتراب انتهاء عقد الاحتكار الموقع بين محفوظ و»دار الشروق»، بعدما مرّت عليه سنوات عدة.

من جانبه، يؤكد الأديب الكبير عبدالمنعم تليمة أن أزمة احتكار أدب محفوظ ستنتهي ولن يسكت أحد عليها، مشيراً إلى أن {المجلس الأعلى للثقافة} و}هيئة قصور الثقافة} و}الهيئة العامة للكتاب} والمسؤولين بوزارة الثقافة يبحثون حالياً عن حل فاعل وناجز لهذه الأزمة بأخذ تفويض من ابنتي الأديب الكبير فاطمة وأم كلثوم لطباعة أعماله في هذه الهيئات وتوزيعها عليها بشكل دقيق، موضحاً أن الاحتكار لن يكون إلى آخر العمر ومن الممكن استرداد الأعمال لصالح الدولة.

يشدد تليمة على أن {الجامعة الأميركية} تملك حق ترجمة أعمال محفوظ بالإنكليزية وتقوم فعلاً بدورها جيداً وتعي أهمية الراحل للأدب العربي والعالمي، موضحاً أنه عند البحث عن أعماله في دول كثيرة من العالم نجدها متوافرة باللغة الإنكليزية. كذلك قدمت {الجامعة الأميركية} جائزة {نجيب محفوظ} وأصبحت إحدى أهم الفعاليات الثقافية المصرية منذ أكثر من عشرين عاماً. يُذكر ان اللبناني حسن داوود اقتنص الجائزة أخيراًعن روايته «لا طريق إلى الجنة».

ويرى الشاعر أحمد سراج أن كثيراً من أدبائنا العظماء أعمالهم تكاد تختفي، لا سيما أديب نوبل نجيب محفوظ لأن دور النشر الخاصة لا تبحث إلا عن الربح وثمة معلومات تؤكد أن بعض دور النشر يتعمد فعل ذلك وإخفاء تراث الأدباء الكبار وتغييب أعمالهم لصالح أعمال أخرى، مطالباً الدولة بأن تعتبر أعمال كبار الأدباء إرثاً قومياً لأن دور النشر الخاصة تهتم بالأعمال «الأكثر مبيعاً» فحسب.

يسأل سراج: «لماذا لا تسن الدولة قانوناً يتضمّن أن تراث الأدباء الكبار الذين يحصلون على جوائز الدولة التقديرية أو أية جائزة عالمية يذهب إلى الدولة ويطبع بعيداً عن احتكار أصحاب المصالح الخاصة، مشدداً على أن هذه القضية لا تخص محفوظ فحسب بل أيضاً أدباء كبار مثل يحيى حقي الذي اختفت أعماله أيضاً من المكتبات خلال السنوات الأخيرة، مقترحاً وضع كتابات الكبار على المواقع الإلكترونية للدولة مجاناً ليقرأها أو يطبعها من يريد ذلك بكل سهولة، بدلاً من البحث عليها وشرائها في شكل طبعات فاخرة باهظة الثمن.

بدوره أوضح الناقد الأدبي عمر شهريار أن أديب نوبل تضرر كثيراً واختفت أعماله بسبب احتكار {الشروق} لها، ولا نرى منها إلا نحو عشرة أعمال في حين أن لأديب نوبل أضعاف هذا الرقم بكثير، والسبب أن الناشر لا يطبع الأعمال ولا يسمح لأحد بالقيام بهذا الدور أيضاً، مؤكداً أن {الشروق} عندما تطبع وتنشر إنتاج أديب نوبل فإنها تقدمه في طبعات فاخرة يصعب على المواطن العادي شراؤها.

يلمح شهريار إلى الدور الغامض الذي يؤديه الناشر الخاص المحتكر من محاولة لتغييب الأدباء الكبار وأعمالهم، ويقول: {محفوظ أحد الأدباء القلائل الذين لم تنشر الدولة أعماله من خلال مشروعاتها الثقافية بسبب الاحتكار وهذا أمر في منتهى الغرابة لأن محفوظ أحد أهم الكتاب العرب والعالميين، مؤكداً أن {مكتبة مصر} الناشر السابق لأعمال محفوظ كانت تؤدي دوراً مهماً في نشر أعماله بإتاحتها طوال الوقت وبأسعار زهيدة للأدباء الكبار كلهم وليس محفوظ فقط.

أحلام فترة النقاهة

واكبت ذكرى محفوظ هذا العام ضجة حول كتابه «أحلام النقاهة الأخيرة» الصادر عن دار «الشروق» أخيراً، إذ شكك فيه البعض على اعتبار أنه مزور ولا ينتمي إلى نجيب محفوظ، ما حدا بالكاتب محمد سلماوي إلى التأكيد أن الشكوك لا أساس لها من الصحة، وقال سلماوي: «كان الكاتب العالمي يقرأ عليّ هذه الأحلام، وقد حفظت بعضها على شرائط تسجيل ما زلت بحوزتي». وأضاف في تصريحات صحافية  أنه كان يسأل محفوظ عن أخبار أحلامه يومياً، فقد كان يحفظها عن ظهر قلب، حتى يأتي له الحاج صبري فيمليها عليه.

بدوره، قال الناقد الأدبي الدكتور حسين حمودة إن محفوظ كان حريصاً على أن يدفع بالنشر بحلمين فقط كل أسبوعين، ربما كي يظل عنده «رصيد» مما لم ينشره بعد، بما يجعله يشعر بأنه «لا يزال يعمل» أو «لا يزال لديه ما ينشره»، ولكنه تُوفيّ قبل أن ينشرها كلها، وأكد أن هذه الأحلام أملاها محفوظ على الحاج صبري، الذي كان يقرأ له في السنوات الأخيرة من حياته، بعد أن تراجع بصره بشدة، ووافق محفوظ بعد محاولات كثيرة منّا على أن يملي ما يكتبه على صبري، وقال حسين حمودة: «في وقت من الأوقات، مرض الحاج صبري فأملى نجيب محفوظ عليّ، بعد إلحاح من الأصدقاء ومنّي، لأنه لم يكن يريد أن يثقل على أحد، 12 حلماً من الأحلام القديمة دفعة واحدة، وكان قد حفظها في ذاكرته طيلة أيام عدة». وتابع أن الأحلام الأخيرة لا تقل قيمة على المستوى الفني، كما يرى البعض، عن «أحلام فترة النقاهة» التي نشرت سابقاً، متفرقة ثم جمعت بكتاب، في حياة «الأستاذ».