استدعت الحوادث السياسية والاجتماعية الراهنة في مصر مشاهد ولقطات بعينها من أفلام سينمائية شهيرة، فانفجرت مواقع التواصل الاجتماعي بالإشارة إلى شخصية «حاتم» لخالد صالح في فيلمه «هي فوضى؟» للمقاربة مع اعتداءات الشرطة بحق المواطنين.

Ad

كذلك لفت كثيرون إلى الجزء الثاني من فيلم «الجزيرة» حيث الإشارة إلى خطورة الأنماط الإرهابية المتطرفة، والتي تشابهت مع وقوع أعمال إرهابية في كثير من الدول، ذلك فضلاً عن أفلام ناقشت ظواهر كالعشوائيـات، والتحـرش، فظهـرت بحذافيرهـا علـى شريـط السينما وكأنها نسخة من الواقع.

بعد عودة كثيرين إلى أفلام بعينها أبرزها «الجزيرة» و«هي فوضى؟»، والإشارة إليها على أنها تحكي فعلاً ما تمر به مصر راهناً، رأت الناقدة الفنية حنان شومان أن استبصار السينما ينبع في المقام الأول من نية أصحاب العمل لأن يكون جيداً، ويكونون دوماً على قدر من الاحترافية فينجحون في صناعة أعمال قيمة للغاية، تعبّر عن مشاكل عصرها، بل تتخطاها وتنذرنا بما هو قادم، وتستطيع تكوين شخصيات وأنماط نراها بوضوح في المستقبل.

وأرجعت شومان غياب هذه النوعية من الأفلام إلى «وضوح الواقع» بدرجة ملحوظة جداً وسرعة تقلب الحوادث التي لا تسمح لصانعي الأعمال بتنبؤ ما هو قادم والحكم عليه جيداً. وأضافت أن السينما ما زالت تنتج أفلاماً جيدة فرداءة الأعمال لا تحول دون عجزها عن تقديم قراءة مستقبلية للأمور ولكن تتسارع وتيرة الحوادث بشكل جنوني.

واختتمت شومان بالتذكير بدور السينما الذي ينبغي أن يتنبه إليه الجميع، قائلةً إن قدرة الفن على صياغة الواقع وتشكيل المستقبل أمر يجب البناء عليه، مع ضرورة تأهيل عناصر شابة في صفوف الكتاب والمخرجين أولا دون التركيز المبالغ فيه على الممثلين مثلما هي الحال الآن، فالمبدعون من كتاب النصوص بإمكانهم مساعدة البلاد على بلورة مستقبل أفضل لها، حتى وإن كان ذلك عبر الفن والسينما وليس القرارات والتشريعات.

 الناقد الفني رامي عبد الرازق قال: «تستطيع الأفلام بسهولة تجسيد المستقبل، حينما تتوافر عناصر العمل بشكل عام وكاتب نص بشكل خاص على قدر كبير من الوعي والثقافة مع وجود الرؤية السينمائية والسياسية. ومع قدرة الصانعين على ربط الماضي القريب بالحاضر يخرج عمل يستطيع أن يقرأ المستقبل ويتوقع حوادثه»، مضيفا أن أكبر دور يأتي على عاتق الكاتب الذي يجب أن يكون في أقصى حالات التفاعل مع المجتمع كي نرى مزيداً من هذه الأفلام.

واعتبر عبد الرازق أن أي إبداع حقيقي، ولا يستثنى منه السينما، لا يكتفي بطرح مشاكل الحاضر وإنما يستطيع استبصار ما سيحدث لاحقاً، وللأسف الكتاب الذين يتمتعون بهذا المستوى من العمق محدودون للغاية، وصانعو الأعمال حالياً لا ينحازون إلى مثل هذه الأعمال التي تمتاز بشمولية الرؤية وتبتعد عن المباشرة ومعالجة القضايا المعاصر والاستغراق في وصف الحاضر من دون تقديم شيء للمستقبل.

وأوضح أن إمكان التنبؤ بالمستقبل أو وصفه في فيلم سينمائي ليس حكراً على الأفلام الحالية في نماذج عدة أبرزها «هي فوضى؟» و{الجزيرة»، ولكن استطاعت أفلام كـ{إحنا بتوع الأتوبيس، البريء، طيور الظلام» التنظير لأفلام مستقبلية بشكل مبهر، ورسمت خيوط حوادث سياسية عايشها الناس في ما بعد عبر خلطات سينمائية متقنة. واختتم بأن من الضروري إتاحة الفرصة كاملة أمام المبدعين كي ينتجوا أفلاماً ليست استهلاكية وتجارية، وطالما أثبتت السينما قدرتها على إنتاج شخصيات وتكوين رؤى تتحدث عما هو قادم، فعلى الجمهور أن يدعمها ويقبل عليها، وعلى الجهات الرسمية أن تستفيد من الفنانين وقدراتهم التي كما تستطيع قراءة المستقبل، بإمكانها أن تشكله بشكل جيد.

المخرج السينمائي خالد يوسف قال في تصريحات تلفزيونية منذ أيام إنه استطاع من خلال أفلامه التنبؤ بما سيحدث في المنطقة العربية بأسرها في فيلم «العاصفة»، وقال إن المبدع الجيد يجب أن تكون له «رؤية استشرافية» للمستقبل، وذكر أن أسرع الطرق لذلك هو الانصهار مع الواقع الجاري لبلورة رؤية صحيحة لما سيحدث بعد ذلك.