رحلة الألف ميل (4)

نشر في 08-09-2015
آخر تحديث 08-09-2015 | 00:04
 يوسف عبدالله العنيزي من أطرف التعليقات التي سمعتها من أحد الأصدقاء على العنوان أننا تابعنا حتى الآن من رحلة الألف ميل المقال رقم (3) فهل يعنى ذلك أنه ما زال أمامنا قراءة (997) مقالاً، وفي تعليق من صديق آخر: إن سلسلة تلك المقالات تعبر عن مخزون من التجارب الدبلوماسية على مدى واسع من المحطات، ولك الحق في الاعتزاز بها وتدوينها، خاصة أنها تنقلنا إلى مناطق ليس من السهولة على الكثيرين زيارتها أو الوصول إليها، إضافة إلى لقاءات لها أهميتها ومدلولاتها، نعم لكم أعتز بتلك الرحلة التي استمرت أكثر من (36) عاما بدأت منذ عام 1974 إلى عام 2010، يا لها من رحلة ويا لها من تجارب تحرك ذكراها الوجدان، وقد استمرت بين مد وجزر.

ونواصل أدب الرحلات بتلك الزيارة الرائعة لجمهورية كوبا الصديقة، فأثناء رئاستي للبعثة الدبلوماسية في فنزويلا تلقيت دعوة كريمة من الصديق العزيز إلياس عبدالمسيح لزيارته في كوبا بلده الذي استقر فيه أجداده بعد هجرتهم من

مدينة "زغريتا" في لبنان الشقيق، شددت الرحال إلى تلك الجزيرة الرائعة في رحلة استمرت ما يقارب الساعتين من مدينة كراكاس إلى هافانا، مضت الساعة الأولى بيسر وسهولة، ولكن وفجأة بدأت الطائرة بالهبوط الحاد نحو البحر، فخيم الوجوم على الركاب ولم تعد تسمع إلا دقات قلوب استولى عليها الخوف والرعب.

 جال في خاطري في تلك اللحظات مثلث برمودا، فنحن لسنا بعيدين عنه ولعلها فرصة لنكتشف بعض أسراره وسبر خفاياه، ولكن المؤلم أننا لن نستطيع العودة منه لنروي تلك الأسرار، وسنكون ضيوفا عنده إلى الأبد، بعد لحظات استقرت الطائرة على ارتفاع معين، وبعد ساعة تقريبا هبطنا بسلام بمطار هافانا الذي يتميز بروعة التصميم والتنفيذ، كان في الاستقبال السيد عبدالمسيح بسيارته الشفروليه موديل 1945 الرائعة، التي تبدو وكأنها قد صنعت منذ أسابيع.

 انتقلنا من المطار إلى فندق "ناسونال" وهو من أروع المباني في العالم، وقد تم تسجيله من منظمة اليونسكو ضمن التراث العالمي، في مساء اليوم نفسه حضرنا حفلا كرنفاليا رائعا يعبر عن فترة من تاريخ هذه الجزيرة، فعلى أحد المرتفعات أقيم استعراض لفرقة من الحرس يرتدي أفرادها الملابس التاريخية مع القبعة الحمراء المزركشة، ويسير أمام الفرقة أحد الحراس، فيقوم بالنداء وتنبيه أهل الجزيرة والطلب منهم دخول المنازل نظرا لقرب تعرض الجزيرة لهجوم القراصنة، وفجأة تهتز الأرض تحت أقدام الحضور بإطلاق بعض القذائف الفولاذية القديمة في اتجاه البحر، وذلك يمثل إنذارا للقراصنة بعدم الاقتراب من الجزيرة، وأن أهلها على استعداد لمواجهتهم، يا له من استعراض يعيدك إلى الماضي فتشعر بعبق التاريخ بكل ما فيه من أمجاد ومآس.

 في اليوم التالي قمنا بزيارة لساحل "براذيرو" الذي يمتد على أميال برمال تحاكي التبر في جمالها، وفي طريق العودة إلى هافانا مررنا من بعيد بالمستشفى الذي أقيم على ساحل البحر، والخاص بتقديم العلاج لبعض منكوبي كارثة انفجار المفاعل النووى "تشرنوبل" في أوكرانيا، وفي الجانب الآخر من الجزيرة يقع منتجع "غوانتنامو" الذي تم تحويله إلى معتقل ذائع الصيت.

 في وسط مدينة هافانا القديمة وفي الساحة الرئيسة تقع كنيسة "مريم العذراء"، وتمتد أمامها المقاهي والمطاعم الشعبية التي تتفرع منها بعض الشوارع الضيقة، ويقع في أحدها مطعم صغير يسمى "الوسط"، وهو ذو شهرة عالمية وتأتي شهرته من كتابات كبار مشاهير العالم من كتّاب وممثلين وسياسيين وتواقيعهم.

من الأماكن الرائعة في هافانا مارينا "همنغواي" بقنواتها المائية التي ترتبط مع البحر الكاريبي، وعلى جانبي تلك القنوات بعض المطاعم وفلل جميلة غاية في روعة التصميم، مع حدائق غنّاء ومسارح وقاعات ثقافية، وقد سمعت من أحد الأصدقاء الكوبيين أن هناك فكرة لإنشاء جسر يربط الجزيرة بالبر الأميركي، وقد توقف المشروع نظرا للعلاقات المتوترة بين البلدين، وبعد عودة العلاقات الآن بين البلدين لعل ذلك المشروع قد يتحرك للتنفيذ، وإلى رحلة أخرى بإذن الله.

ودعاؤنا إلى المولى القدير أن يحفظ الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

back to top