أدت أزمة أسعار النفط منذ نحو عام؛ إلى اختلال لافت في خريطة كبرى الشركات العالمية، بشكل غير مسبوق منذ سنوات طويلة، إذ أظهرت بيانات الشركات في الربع الثالث تقهقراً كبيراً في أداء شركات النفط العالمية، التي لطالما احتلت موقع السيطرة وصدارة لائحة أكثر شركات العالم ربحاً.

Ad

واحدة بين الكبار

بحسب إحصائية لـ«الجريدة» لأكثر 10 شركات أرباحاً في الربع الثالث «الجدول»، فإن شركة نفطية واحدة هي «أكسون موبيل» بالكاد استطاعت أن تحجز مكاناً بين الـ 10 الكبار، بحلولها عاشرة، بعد أن كانت خلال سنوات لا تخرج عن قائمة الشركات الخمس الأكثر ربحاً بأي حال من الأحوال، في حين سيطرت شركات التكنولوجيا والبنوك على 8 مراتب في اللائحة بقيادة «آبل» كما اخترقت شركتا نستله وجونسون آند جونسون القائمة، في الترتيب الخامس والسادس على التوالي.

وكان بارزاً، من خلال الإحصائية، الانحدار الحاد في أرباح مجموعة من شركات النفط العالمية، خصوصاً بعد أن تحول بعضها من الأرباح إلى الخسائر القاسية، حيث يشير «الجدول 2» إلى تراجع أرباح جميع الشركات النفطية العالمية بلا استثناء؛ نتيجة تراجع أسعار النفط، إلى جانب أسباب أخرى تتعلق بكل شركة على حدة، فمثلاً شركة بوزن «شل» سجلت خسائر قاسية بعد أن دفعت مصروفات بقيمة 7.89 مليارات دولار في أعقاب انسحابها من عمليات التنقيب عن الخام في «آلاسكا»، ومشروع للرمال النفطية في كندا، إلى جانب تراجع أرباح «توتال» بدعم من شطب 650 مليون دولار قيمة أصول المشروع نفسه في كندا.

خفض مشروعات

الأداء السلبي بحد ذاته لنتائج شركات النفط العالمية، جاء رغم سياسات احترازية لعدد من شركات النفط العالمية، إذ سبق أن أعلنت شركات مثل «بريتش بتروليوم وشل وتوتال» خفض مشروعات الربحية لديها بناء على سعر البرميل إلى أسعار توازي أسعار السوق السائدة، بل أعادت «شل»، التي وضعت مطلع العام الحالي توقعات بأسعار تتراوح بين 70 و110 دولارات للبرميل، خطة الربحية لديها عند 50 دولاراً فقط للبرميل، فضلاً عن خطط صارمة لخفض النفقات الخاصة بالتنقيب والمشروعات، إلى جانب تسريحها آلاف الموظفين ومع هذه السياسات الاحترازية لم يكن هناك مجال لتلافي الانخفاض الحاد في الأرباح أو الدخول في دائرة الخسائر.

ولعل الهزة، التي وقعت خلال الربع الثالث من العام الحالي في أسواق النفط والأسهم، أثرت مباشرة على أداء معظم شركات النفط العالمية، فلم تتمكن حتى السياسات الاحترازية من تخفيف درجة التراجع الحاد في الإيرادات، وهنا يمكن أن نأخذ من أداء هذه الشركات العالمية السلبي ما يمكن أن يكون مدخلاً لسؤال عن أوضاع الدول المصدرة للنفط داخل منظمة الدول المصدرة للبترول «أوبك» وخارجها، وخصوصاً دول المنطقة.

دول وشركات

وإذا نظرنا إلى أثر النفط في الناتج المحلي الإجمالي لمجموعة من الدول فسنجد أن الكويت تعتمد على النفط في الناتج المحلي الإجمالي بنسبة تبلغ نحو 59 في المئة، والسعودية 44 في المئة، والإمارات 33 في المئة، وقطر31 في المئة، أما عموم دول «أوبك» فيشكل النفط نحو 32 في المئة من ناتجها المحلي وهذه البيانات حسب عام 2013، بالتالي فإن الأثر السلبي لانخفاض أسعار النفط يمكن أن يكون كبيراً على ميزانيات تلك الدول.

صحيح أن هوامش المقارنة بين الشركات والدول تظل محدودة، لكن  البلدان التي تعتمد على النفط بشكل شبه أحادي تظل أشبه بسياسات الشركات التي لديها مرونة أكبر في تخفيض المصروفات أو تأجيل المشروعات مع ميزة التعامل مع المساهمين وليس المواطنين، لذلك يمكن القول إن أداء الشركات العالمية النفطية الكبرى يمكن أن يعطي مؤشراً لإيرادات الدول النفطية، ومدى تأثرها بالتراجع في الأسعار.

سوق النفط

سوق النفط يعيش وضعاً صعباً على المديين المتوسط والطويل لناحية  ضعف الطلب في الأسواق الرئيسية كآسيا وتباطؤ النمو في أوروبا وتنامي الإنتاج الأميركي، ناهيك عن منافسة النفط الصخري والخلافات داخل «أوبك» بشأن خفض الإنتاج من عدمه، وهذه كلها تحديات ربما تزيد وضع الأسعار سوءاً، وتجعل عودة الشركات العالمية التي كانت تتصدر قائمة الأرباح الـ 10 بأربع أو خمس شركات على الأقل أمراً مشكوكاً فيه، خصوصاً في ظل تنامي أرباح شركات التكنولوجيا والبنوك والأغذية.

لذلك، كلما تعاظمت التحديات التي تواجه الشركات النفطية تبين مؤشر القلق لدى الدول التي يرتكز اقتصادها على النفط، وعلى رأسها الكويت البلد الأكثر اعتماداً عليه في العالم!