أصدرت وزارة الخارجية الأميركية تقريرها السنوي عن الإرهاب الدولي، وتُعتبر نتائجه مقلقة ومتوقعة في آن واحد، لكن اللافت للنظر حقاً قسم الدول الراعية للإرهاب، فتشمل الدول الأسوأ المدرجة في هذه اللائحة السودان، وسورية، وإيران، وتبدو تفاصيل الإرهاب الذي ترعاه الدولة الإيرانية قاتماً، فهي تدعم الإرهابيين الذين يساعدون نظام الأسد في قمعه العنيف في سورية، فضلاً عن تقديمها التمويل والأسلحة لحزب الله والمجموعات الإرهابية الفلسطينية، والأسوأ من ذلك، وفق تقرير وزارة الخارجية، أن إيران تواصل رفضها محاكمة شخصيات بارزة في تنظيم القاعدة أو تحديد هوية مَن هم في عهدتها.
كذلك يؤكد التقرير الفكرة المتداولة بشكل واسع عن أن إيران "ما زالت ترفض الالتزام بواجباتها الدولية المرتبطة ببرنامجها النووي"، ولكن إن لم تتبنَّ إدارة أوباما مواقف حازمة وتبدل سياساتها في غضون أسابيع، فستوقع الولايات المتحدة صفقة نووية مع طهران ستؤدي قريباً إلى حصول إيران على مبالغ كبيرة من المال، ولكن لا يتضمن أي بند من بنود إتفاق إطار العمل النووي وعداً، وإن كان يفتقر إلى المصداقية، بأن إيران ستتخلى عن النشاطات عينها التي جاءت في تقرير وزارة الخارجية، والتي تفرض وفق القانون الأميركي استمرار العقوبات لا إنهاء القيود المفروضة على التعامل مع النظام الإسلامي.يكشف تقرير وزارة الخارجية بكل وضوح ما يفرضه القانون على الحكومة في سياستها تجاه الدول الراعية للإرهاب:تُفرض مجموعة واسعة من العقوبات نتيجة تصنيف دولة راعية للإرهاب، منها:• حظر الصادرات والمبيعات المرتبط بالأسلحة.• فرض ضوابط على تصدير السلع المزدوجة الاستعمال، مع ضرورة إبلاغ الكونغرس قبل 30 يومياً في حالة السلع والخدمات التي تحسن كثيراً قوى البلد المدرج على لائحة الإرهاب العسكرية وقدرته على دعم الإرهاب.• حظر المساعدة الاقتصادية وفرض قيود مختلفة على القطاع المالي وغيره. من الضروري أن نتذكر أن الإدارة الأميركية، خلال مناظرة الكونغرس حول مشروع قانون كروكر-كاردن، أصرت على أن وقف طهران نشاطاتها الإرهابية يجب ألا يكون شرطاً للموافقة على الصفقة الإيرانية الوشيكة، وصرنا ندرك اليوم السبب، فكما يوضح تقرير وزارة الخارجية، لم تتخذ إيران أي خطوات لتتراجع عن دورها كأبرز دولة راعية للإرهاب في العالم.يشكل دور إيران في سورية جزءاً مهماً من هذا التقرير، فقد تحدثت تقارير كثيرة عن دور إيران في إرسال كوادر حزب الله إلى سورية، حتى إن طهران نفسها أقرت بأنها أرسلت أعضاء من حرسها الثوري الخاص إلى سورية ليكونوا مستشارين لمن ينفذون عمليات قتل المدنيين والمنشقين الجماعية، لكن اللافت للنظر أيضاً تأكيد وزارة الخارجية أن إيران جهزت، ودربت، وموّلت المقاتلين العراقيين والأفغان، الذين أُرسلوا إلى ذاك البلد بغية المساهمة في قمع المعارضة التي يواجهها الأسد.تشكل إيران أيضاً العقبة الكبرى في عملية السلام بين إسرائيل والفلسطينيين بسبب تمويلها المجموعات الإرهابية، مثل حماس والجهاد الإسلامي، ومدها بالسلاح، إذ كانت إيران سابقاً داعماً أساسياً لحماس، إلا أن القطيعة وقعت بينها وبين حكام الدولة الفلسطينية المستقلة، وإن ليس رسمياً، في غزة بسبب الخلافات بشأن سورية، ولكن بما أن إيران والأسد يبدوان اليوم بعيدين عن الخطر، ولا يواجهان أي نقص في المال أو السلاح بعد حرب الصيف الماضي، عادت حماس، على ما يظهر، لتنعم بحظوة في عيني طهران، ولكن حتى خلال فترة القطيعة، بذلت إيران قصارى جهدها لدعم المتطرفين الآخرين كي تضمن أن القادة الفلسطينيين أكثر خوفاً من أن يعقد السلام مع إسرائيل، حتى لو أرادوا ذلك.ولكن رغم كل هذا النشاط الوارد في تقرير وزارة خارجيتها، فلا مجال للشك في أن الإدارة الأميركية مصممة وعاقدة العزم على المضي قدماً في توقيع الصفقة النووية مع إيران، ومن شبه المؤكد أن الاتفاق سيضمن أن يحصل النظام الإسلامي على كل المال الذي يحتاج إليه لمواصلة تمويله الإرهاب، وربما زيادة هذا التمويل، وخصوصاً للمجموعات التي تهدد إسرائيل والحكومات العربية المعتدلة. نظراً إلى حاجة إيران الملحة إلى رفع العقوبات الاقتصادية، يُفترض أن تتمتع الولايات المتحدة بتأثير كبير في آيات الله، ولكن كما هي الحال مع المفاوضات النووية، رضي المفاوضون الغربيون ببساطة بأن تواصل إيران دعمها الإرهاب كدولة بغية حمل الإيرانيين على توقيع الصفقة، وكما استسلمت الولايات المتحدة في مسائل الحصول على تفاصيل عن أبحاث إيران العسكرية، وحقها في تخصيب اليورانيوم، وامتلاكها آلاف أجهزة الطرد المركزي، وحتى تحديد مهلة للصفقة، تجاهلت الإدارة الأميركية أيضاً مسألة الإرهاب.يطرح هذا عدداً من الأسئلة القانونية المثيرة اللاهتمام، بما أن الكونغرس يملك الحق بالمطالبة بمعرفة كيف يمكن أن ترفع الولايات المتحدة العقوبات عن إيران وتمنح بالتالي اقتصادها حبل إنقاذ مهماً، في حين أنها تصنفها في الوقت عينه كدولة راعية للإرهاب. الجواب: تجاهلت هذه الإدارة مسؤوليتها بالتصدي للإرهاب، الذي تدعمه إيران، تماماً كما تخلت عن واجبها في منع طهران من الحصول على موافقة الغرب لتصبح دولة قادرة على تطوير أسلحة نووية.قدّمت الإدارة الأميركية التنازل تلو الآخر في المسائل النووية، ولكن في مجال الإرهاب لم تحاول حتى جعل إيران "في توافق مع العالم"، كما أمل الرئيس أوباما.يشكل هذا التقرير بحد ذاته أداة تدين سلوك الإدارة الأميركية خلال المحادثات النووية، كذلك يجب أن يُعتبر سبباً كافياً ليرفض الكونغرس الصفقة النووية المقترحة، حتى لو لم تتوافر أدلة دامغة على أن الصفقة النووية أضعف من أن تمنع إيران من أن تلجأ إلى الخداع لتطور القنبلة أو تنتظر بصبر ريثما تنتهي مدة هذا الاتفاق لتحصل على السلاح المرجو.* جوناثان إس توبين
مقالات
إن كانت إيران لا تزال تدعم الإرهاب فلمَ توشك الولايات المتحدة على رفع العقوبات عنها؟
24-06-2015