كنت أتمنى قبل أن يصادق مجلس الأمة في المداولة الأولى على قانون الأحداث بخفض سن الحدث إلى 16 عاماً أن ينتقل نوابه في زيارة إلى المباني التي يودع فيها الأحداث أولاً ليطلعوا على جودة التأهيل النفسي والاجتماعي الذي يخضع له هؤلاء، وعلى المباني التي يتم التحقيق فيها معهم قبل أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من نتائج بخفض سن الأحداث إلى 16 عاماً، وكأن مصيبتنا تكمن في أعمار الأحداث لا في سوء مبانيهم وسوء تأهيلهم وسوء الرعاية التي يخضعون لها في أماكن أشبه بالخرابة!

Ad

 ولم أستغرب مطالبة البعض بخفض سن الأحداث إلى 16 عاماً، لأن مبرراته ناتجة عن قصوره وإهماله وعدم رغبته في تحمل المزيد من المسؤوليات، فمسؤولية الإشراف على دور رعاية الأحداث مسؤولية شاقة، هدفها توقيع العقاب، وفي ذات الوقت تقويم السلوك، حتى يعود ذلك الحدث إلى بيئته الطبيعية بعد التأكد من شفائه من كل أمراضه النفسية والاجتماعية، التي سيطرت عليها النزعات الإجرامية لفترات كان سببها طيش الشباب ورفقاء السوء وإهمال الأسر وضعف التربية والفراغ وغيرها من أسباب دافعة للجريمة لمَن هم في هذه السن.

 ومثل ذلك الشفاء النفسي والاجتماعي المتمثل بتقويم السلوك لا يمكن أن يصح أو يصلح في ظل البيئة أو برامج التأهيل الموجودة في دور رعاية الأحداث الحالية لعدة أسباب، أهمها غياب البرامج التأهليلية وغياب الكوادر المؤهلة لتقديم تلك البرامج، إضافة إلى غياب المباني المؤهلة لتلك البرامج، وأخيراً عدم جدوي البرامج التي تقدم حالياً من مراقبي السلوك والتي غالباً ما تكون لا جدوى لها أو شكلية، ولذلك كنت أتمنى أن يشمل علاج قضية الأحداث علاج هذا الأساس، لأنه أساس العلة لا علاج آخر!

 كما أن الأولى بالحديث عن علاج قضية العقوبات التي يستفيد منها الأحداث أو يقترح زيادتها أو تخفيض السن، على سبيل المثال، النيابة العامة أو القضاء، لأن النيابة هي التي تقدم الدعوى الجزائية، وهي التي تعمل على استئناف الأحكام الصادرة، وهي التي تقدر مدى الخلل الذي يصيب أمر العقوبات، ولم تخرج علينا النيابة لتطلب أمر التعديل كما لم يطالب مجلس القضاء وهو المكلف بإبداء رأيه سنوياً في التشريعات إذا شابها قصور انكشف نتيجة التطبيق العملي في المحاكم، بل إن من يطالب بالتعديل وزارات أخرى معنية بضبط الجريمة وأخرى بإيداع الأحداث، ويفترض تقويم سلوكهم لا المطالبة بتعديل وعاء العقوبة أو قصر فئات عمرية في الدخول في القانون.

الاعتبارات التي يضعها القانون الكويتي تجاه الأحداث ليست امتيازات لهم حتى يتم إعفاؤهم من العقاب، بل هي اعتبارات منطقية تناسب سن هذه الفئات العمرية، وطبيعة المشاكل التي قد يقعون فيها وأنهم قد يخرجون منها، ومن الواجب إشراكهم مجدداً في المجتمع بعد التأكد من سلامة سلوكهم في بيئة صحية تسمح لهم بذلك، وأي تغيير في تلك البيئة فستكون له عواقب ونتائج سيئة طالما لم يكن التغيير مناسباً وفعالاً لعلاج تلك الفئات، وتكفي حالة واحدة لبيان مدى خطورة تبدل بيئة ذلك العلاج كإحالة من يتجاوز سن الـ16 عاماً إلى السجن المركزي، بعد إخراجه من سن الأحداث ليقضي سجنه مع أشخاص يفوقون عمره بكثير يمارسون حياة وسلوكاً وطبائع، وربما جرائم، داخل السجن تصنع منه مجرماً وهو في عمر مراهقته، إضافة إلى إمكان إعدامه وسجنه بالمؤبد إذا ارتكب عدداً من الجرائم رغم صغر سنه، وغيرها من الأمثلة التي قد تحدث إذا تم خفض سن الحدث إلى أقل من 16 عاماً!