بانتظار البلاغ رقم «واحد»!
خلافاً لكل التقديرات والاحتمالات السابقة، فإن ما غدا وارداً في أي لحظة هو أن "تفلت" الأمور، في ظل كل هذا التصعيد الذي يواصله الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وأن تنطلق شرارة غير محسوبة العواقب لتشعل الحقل كله، وتؤدي إلى مواجهة عسكرية روسية – تركية، قد تستدعي تدخل حلف شمالي الأطلسي إن لم يجر تدارك الوضع بسرعة ويتدخل العقلاء للحؤول دون حصول كارثة مدمرة إن هي حصلت فإنها ستشمل المنطقة كلها.والواضح أن الجانب التركي يحاول لفلفة الأمور بسرعة وتطويق الأوضاع، قبل أن تستجد تطورات قد تخرج عن سيطرة الطرفين، ولهذا فإننا نرى ونسمع أن رجب طيب إردوغان يحاول "تبريد" الوضع من خلال تصريحاته الهادئة التي يعتبرها البعض تنازلاً أكثر من اللزوم، وخاصة أن الرئيس الروسي يواصل التصعيد والإصرار على ضرورة أن تقدم تركيا له ولبلده "اعتذاراً" صريحاً وواضحاً بالنسبة إلى إسقاط الـ "سوخوي 24".
وبالطبع فإن هناك وسطاء كثر، من بينهم الولايات المتحدة الأميركية، يواصلون السعي لتطويق الأوضاع قبل أن تتجاوز حدود السيطرة، لكن الواضح - اللهم إلا إذا طرأت مفاجأة "سارة" - أن في رأس بوتين موالاً معيناً، وأنه يرى أن الفرصة غدت سانحة بعد حادث الطائرة هذا، لابتزاز إردوغان "حتى العظم"، كما يقال، ولفرض روسيا على أنها الرقم الرئيس في معادلة الأزمة السورية من دون أي نقاش وبموافقة الأميركيين وكل الأطراف الأخرى. إنه مما لا شك فيه أن الإجراءات الاقتصادية التي اتخذتها موسكو ضد تركيا موجعة وقاسية وصعبة، ويبدو أن الأتراك - إذا لم يطرأ ما يحد من عملية التصعيد المتبادلة - سيضطرون إلى التعامل مع أنبوب الغاز الذي يمر إلى أراضيهم في طريقه إلى أوروبا، ألمانيا وفرنسا تحديداً، بالطريقة نفسها، كما أنهم قد يلجأون من قبيل المعاملة بالمثل إلى منع طيران روسيا المدني من عبور الأجواء التركية، وحقيقة أن هذا إن هو حصل فإنه سيعني المواجهة العسكرية لا محالة.وهكذا فإن الأخطر هو أن روسيا تواصل التحشيد العسكري في المناطق التي غدت تحتلها على الأراضي السورية، فإضافة إلى صواريخ إس 400، ومضاعفة أعداد طائراتها الحربية في قاعدة "حميميم"، بالقرب من اللاذقية وفي قواعد أخرى، فإن هناك معلومات غدت ثابتة ومؤكدة تتحدث عن وصول قوات برية روسية إلى سورية، وحقيقة أن هذا إن حدث فعلاً فإنه يعني أن تجربة غرق الاتحاد السوفياتي في أوحال أفغانستان ستتكرر مع روسيا الاتحادية بالتأكيد.ثم إن ما هو مؤكد أيضاً أن تركيا، العضو المؤسس في حلف شمالي الأطلسي، لا يمكن أن تقبل بأن تصبح روسيا مجاورة عسكرياً لها من الجنوب، وأن الولايات المتحدة، التي ساومت كثيراً، والتي اتبعت سياسات مترددة ومائعة هي التي أوصلت الأزمة السورية إلى ما وصلت إليه، ستضطر إن لم يطرأ ما قد "ينفِّس" الأوضاع ويوقف هذا التصعيد المتلاحق المتبادل إلى إشعال الضوء الأحمر، وممارسة ضغط فعلي وحقيقي على موسكو لإلزامها بوضع حد لهذا التهور الذي إن استمر فإنه سيأخذ المنطقة كلها إلى مواجهة عسكرية مدمرة لا محالة.