قضى عالمنا العربي أياما فريدة من نوعها أثناء الحرب الباردة، استفادت منها الدول الصغيرة عبر المبادرة والمناورة أثناء صراع الكبار، ووسط تحول منطقة الشرق الأوسط آنذاك إلى سوق للباعة المتجولين من تجار الذخيرة الحية، وساحة للمؤسسات الإعلامية التي احترفت التطبيل، وخلقت هالة جوفاء حول باعة المبادرات السياسية لتغذي الأطراف المتنازعة، أفاقت منطقتنا لترى عالما آخذا بالانهيار مبتدئا بانهيار الاتحاد السوفياتي، ومنتهيا بانتفاضات متعددة أصابت دول الربيع العربي لتمحو آثار سلوكيات المعسكر الشرقي منها تماما، وأزالت نظماً أحكمت قبضتها على السياسة والاقتصاد وكرامة الإنسان.
واليوم تتطور الأحداث فاتحة الأبواب للتدخل الخارجي في ظل تراخي الأنظمة، فتحسم الدول المواقف أحيانا وتتجاهلها أحيانا أخرى، ومن تلك المبادرات حسم المملكة العربية السعودية الأمر أخيرا برفضها العمليات العسكرية التي تنفذها موسكو في سورية، ذلك الموقف الذي نقله ولي ولي العهد السعودي النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز قبل عدة أيام إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حسب حديث وزير الخارجية السعودي المرافق عادل الجبير، إذ تفهم بوتين رأي المملكة أخيرا كما صرح سيرغي لافروف، والتحدي اليوم يضع الطرفين أمام المعادلة الصعبة التي تجمع جهود الدول في محاربة "داعش" وتحديد الخريطة السورية الجديدة.ومن الجوار السوري الى الجوار الصيني، ففي الطرف الآخر من العالم المترامي الأطراف نجد حربا ثقافية اشتعلت بوقود اليونسكو في الأمم المتحدة بين الصين واليابان، وذلك عندما عبرت اليابان عن استيائها لإدراج اليونسكو وثائق عادت للمجازر التي ارتكبها الجيش الياباني عام 1937 في الصين.ففي نظر اليابان أن المنظمات الدولية بنشرها الوثائق تكون قد تخلت عن الحياد، وفي نظر الصين أن المجزرة التي ارتكبت في مدينة نانكين العاصمة الصينية آنذاك تستحق التوثيق بعدما بلغ عدد الضحايا 300 ألف، والسؤال الذي يبقى معلقا لدى المنظمات الدولية واليونيسكو: هل تذكير العالم بالعدوان وارتكاب المجازر عبرة؟ أم أنه إثارة للقضايا بين الدول؟كلمة أخيرة:هيئة حكومية تعرضت لحملة إصلاحية قبل عشر سنوات كانت نتيجتها انتفاضة برلمانية ومساءلة الوزير المسؤول حتى استقال، الهيئة ذاتها تتعرض اليوم لموجة "عنيفة" من الإصلاح الإداري، لعلها تنجح وتمتد للهيئات والوزارات الأخرى.
مقالات
حروب ثقافية
14-10-2015