تعيش الکويت الشقيقة هذه الأيام اليوبيل الفضي لمأساة أليمة، حيث غزاها الجيش الصدامي في حينها بأرتال الدبابات، واجتاح الطرق ومسح الصحاري وهدم البيوت وشرد الناس، وبها احتلت الکويت، وبها أدخل النظام العراقي الصدامي المنطقة برمتها في مستنقع لم تنج منه حتی الآن.

Ad

ولم تکن هذه مغامرة صدام الوحيدة، بل سبق أن دخل حرباً أخری ضد جارته إيران، حيث لعب دور الدفاع عن البوابة الشرقية للعالم العربي، وأهلك ثروات البلدين بتلك المغامرة البائسة، وأخيراً خرج من الحرب منكوساً مهزوماً، وهذا الفشل الذريع في كسب المعركة لم يمنعه عن تكرار حرب أخرى ضد جارته الجنوبية الكويت، بنفس العقلية المميتة، وأصاب ما أصاب بأهلها وحرثها ونسلها.

ونحن في هذا اليوبيل الفضي المّر نتدارس تلك الذكريات الأليمة المبنية على المغامرة والحروب والطائرات والدبابات والسعي للحصول على مساحات أو الحفاظ على المأرب بمنطق القوة والتعامل مع الجيران بالعنجهية والاستعلاء والاحتكام إلى أحادية العمل والسعي إلى التمحور والتحالف.

ومن جانب آخر إنه ليشرفني أن أقول إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد ساعات قليلة من احتلال الكويت، وقبل أن تتخذ دول مجلس التعاون موقفاً حازماً لدعم جارتها وتندد بالعدوان العراقي، خرجت بموقف واضح وجلّي، حيث ندّدت بالعدوان العراقي علی الکويت، وطلبت منه الرجوع إلی الحدود الدولية، وأعلنت أنها تقف بجانب الکويت، ناسية بذلك ما تجرعت ابان الحرب المفروضة عليها، ومن ثّم فتحت حدودها بل قلوبها للمواطنين الکويتيين المتجهين إليها، حيث دخل عشرات الآلاف من الکويتيين الحدود الإيرانية، ومنهم من استوطن إيران، ومنهم من أخذ إيران ممراً للذهاب إلی بلدان أخری، وأبواب السفارة الإيرانية في زمان الاحتلال کانت مفتوحة لإصدار الوثائق اللازمة للکويتيين لدخول إيران آنذاك.

وواصلت إيران دعمها وقامت بنقل أخبار المعركة أولاً بأول، حتى سمعت بنفسي قولاً من المسؤولين الكويتيين بأن آذانهم كانت نحو الإذاعة الإيرانية لمتابعة أخبار المعركة. وکذا سمعت کثيراً في اللقاءات الثنائية إعراب المسؤولين الکويتيين عن شکرهم واعتزازهم بموقف إيران تجاه إخوانهم الکويتيين في زمن الغزو.

أقول وأؤكد أن إيران، رغم مهاترات بعض المفلسين، ماضية على نيتها الخيرة، وتصبو لتمتين العلاقات مع جيرانها ومساعدتهم في الضراء، ومجالستهم في السراء، وثبتت بالفعل ما كانت تقول وأثبتته.

ورغم أننا نحتفل باليوبيل الفضي المر، أثق بأننا بعد عقدين ونصف من الزمن سنحتفل وأولادنا باليوبيل الذهبي، ومن حينها تشهد المنطقة الازدهار والرقي، ويصبح العدوان جزءاً من الماضي، لکن هذا الأمر يتطلب منا جميعاً، من أصغر دولة في المنطقة إلى أكبرها، العمل الدؤوب لتنمية الإقليم والنأي عن الحروب والفتن والطائفية والشعبوية.