الحل الذي تنتظره سيناء
عندما نتحدث عن سيناء وعما تحتاج إليه سيناء، فلابد أن نتحدث أولاً عن الثمن الذي دفعه أهالي سيناء طوال الفترة الماضية.هذا الثمن لم يدفعوه فقط بعد 1967، أو حرب الاستنزاف، أو نصر أكتوبر 1973، أو حتى السنوات التي تلت ذلك، ولم نر فيها سوى حديث عن تنمية سيناء، دون أن نرى شيئاً يتحقق على أرض الواقع، ودون أن يشعر أهاليها أنهم نالوا بعض التقدير، واستمرت تضحيتهم طوال الفترة الماضية، التي زاد فيها الإرهاب، ورغم الدور الذي تلعبه القوات المسلحة في إعادة الأمور إلى نصابها، وطرد الإرهاب من كل أرض سيناء، ونجاحها في ذلك، فإن هذا لا يمنع القول بحقيقة أن أهالي سيناء استمروا في دفع الثمن من جراء ذلك، والاعتراف بذلك هو بداية حل المشكلة.
مشكلة أهالي سيناء هي التنمية، والتنمية هي التي ستقضي على الجهل والإرهاب والفقر، ولكن أي طريق للتنمية يجب على الدولة أن تتبعه، لقد ملّ أهالي سيناء من حديث الحكومات المتعاقبة على مدار أربعين عاماً عن تنمية سيناء، دون أن يروا شيئاً، ولم يعودوا يصدقون مانشيتات الصحف التي تتحدث في المناسبات الوطنية، أو في الأحداث الجسام عن ضرورة التنمية، وعن المشاريع والمصانع الكبرى التي ستحل مشاكل أهالي سيناء، لأن هذا ليس حلاً مناسباً.أحد ملامح مشكلة أهالي سيناء في الصراع بين بعض الأغنياء الذين يسيطرون على كل شيء، ويعملون في التهريب أو في الأشياء الممنوعة، وبين الفقراء الذين هم مجرد أرقام في صفحات الصحف، وفي ملفات الحكومة، والحديث عن مشاريع أو مصانع كبرى لن يحل مشكلة هؤلاء الفقراء الذين يمثلون القطاع الأكبر الذي يحتاج إلى تنمية حقيقية، ولن يغطي كل القطاعات، ولن يوفر وظائف لجميع الباحثين عن عمل، ولن يغطي المساحة الكبيرة لسيناء. الحل الأمثل الذي تحتاج إليه سيناء الآن، والذي سيحقق تنمية حقيقية يشعر بها المواطن فيها، ويلمسها بيده وجود المشاريع المتوسطة والصغيرة، والتي لن تكون تكلفتها بنفس التكلفة الكبيرة للمشروعات العملاقة، ولن تتركز في مساحة محددة، ولن يسيطر عليها عدد محدود من أصحاب المصالح، ولن يعمل فيها عدد قليل من الباحثين عن العمل، بل ستصل إلى المحتاجين إلى العمل فعلاً، وتغطي قطاعات كبيرة.إذا تم تنفيذ المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سيناء فستحل مشكلات كثيرة، وسيشعر أهالي سيناء بمردودها الإيجابي عليهم، وعلى عائلاتهم، وعلى المناطق التي يعيشون فيها، كما أنها ستنعش الاقتصاد المحلي فيها، وتنعش في المقابل الاقتصاد المصري، وأعتقد أن البنوك المصرية الوطنية سترحب بالدخول كضامن في هذه المشروعات، وستوفر لطالبي العمل ما يحتاجون إليه.إن نجاح هذا المشروع لا يكفيه أن تكون هناك مبادرات فردية، بل يجب أن يكون توجه دولة، تدرك كيف تنعش الاقتصاد، وتعمل على تنمية حقيقية تمس المواطنين، وتصل إليهم في أماكنهم، وتقوم بتشجيع البنوك على التوسع في تمويل هذا القطاع الحيوي المحرك للنمو الاقتصادي، بهدف تحقيق التنمية المستدامة، وتوفير فرص العمل لمواجهة مشكلة البطالة، وبمثل هذه المشروعات يمكن حل مشكلات أخرى تسببها البطالة، أهمها الانخراط في الإرهاب.أدرك أن الحل الكامل لمشكلة سيناء، ليس فقط في مشروع واحد، وأن التنمية تحتاج إلى جهد كبير حقيقي مبذول من قبل الدولة، يصل إلى مستحقيه ويحقق الغرض منه.