مصر تقطف أولى ثمار «الثورة» بافتتاح قناة السويس الجديدة

تشهد مصر اليوم حدثاً تاريخياً، حيث يعطي الرئيس عبدالفتاح السيسي شارة البدء لافتتاح مشروع قناة السويس الجديدة، خلال احتفال عالمي بمشاركة عربية ودولية واسعة، ووسط استعدادات أمنية غير مسبوقة لتأمين الحفل، وتوقعات بأن تعطي القناة الجديدة دفعة قوية للاقتصاد المصري المتعثر.

تتجه أنظار العالم صوب مدينة الإسماعيلية، اليوم، لمتابعة افتتاح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قناة السويس الجديدة، وسط مشاركة عربية ودولية واسعة، واحتفالات شعبية وحفاوة مصرية بالحدث التاريخي، الذي تتوقع الحكومة المصرية أن يرفع دخل الممر المائي الذي يربط البحرين المتوسط والأحمر من 5.5 مليارات دولار إلى نحو 13.5 مليارا بحلول عام 2023.

وقد استغرق المشروع تم إنجازه في زمن قياسي، عاما واحدا، إذ أعطى الرئيس السيسي شارة البدء في 5 أغسطس 2014، ليتضمن حفر قناة بطول 35 كيلومترا، في موازاة القناة الرئيسة، فضلا عن تعميق جزء من المجرى الملاحي بطول 37 كيلومترا، ووصله بالقناة الجديدة، ليصل إجمالي طولها إلى 72 كيلومترا، بهدف مضاعفة القدرة الاستيعابية لحركة الملاحة في الممر الملاحي الأهم في العالم، لتستقبل 97 سفينة يوميا بدلا من 49 حاليا.

وتتجه أنظار العالم إلى المشروع المصري، الذي تشارك وفود 102 دولة في حفل افتتاحه الليلة، يتقدمهم أمير البلاد سمو الشيخ صباح الأحمد، حيث عبّرت الخارجية المصرية عن تقديرها الكبير لمشاركة أمير البلاد، بما يعكس مدى عمق العلاقات السياسية بين البلدين، وقال مساعد وزير الخارجية المصري للشؤون العربية، السفير عبدالرحمن صلاح لـ"الجريدة" إن "مشاركة أمير الكويت في افتتاح القناة، تعبر عن مدى حرصه على ترسيخ مفاهيم العروبة والإخاء مع أشقائه في مصر".

كما يشارك في الحفل العاهل البحريني الملك حمد بن عيسى، والعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، والرئيس العراقي فؤاد معصوم، والرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، الذي وصل إلى القاهرة أمس، كما تأكدت مشاركة ولي عهد أبوظبي الشيخ محمد بن زايد، وولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ويتقدم الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند، الوفود الدولية المشاركة، في وقت اعتذر الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون، عن عدم الحضور، وأناب ماجد عبدالعزيز، مستشار الأمين العام لشؤون إفريقيا، لحضور الحفل.

تفاصيل الحفل

إلى ذلك، قالت مصادر مطلعة إن الحفل العالمي يبدأ بوصول السيسي إلى مدينة الإسماعيلية على متن يخت "المحروسة" التاريخي، يرافقه عدد من ممثلي فئات الشعب، بينهم شباب وأسر الشهداء، بالتزامن مع عرض بحري وجوي تقدمه زوارق البحرية التي تصطف لتحية الرئيس المصري، ثم يبدأ فريق الألعاب الجوية وأحدث الطائرات التي انضمت للقوات الجوية حديثاً، كمقاتلات الـ"رافال" الفرنسية و"F -16" الأميركية.

ويصل الرئيس إلى منصة الاحتفال الرئيسية لاستقبال الملوك والرؤساء والأمراء في تمام الثالثة والنصف عصر اليوم، ثم يبدأ الحفل النهاري في الرابعة، ليلقي السيسي كلمته، يعقبها توقيعه على وثيقة الافتتاح، وإعطاء الإذن بمرور أول سفينتين متقاطعتين، لينتهي الجزء الأول من الحفل، يعقبه التحرك لغرب القناة في الخامسة، بعدها تقام مأدبة عشاء لضيوف الحفل، يعقبه التحرك إلى مدرجات الأوبرا غرب القناة لمشاهدة العرض الأوبرالي "عايدة"، لينتهي الحفل عند العاشرة مساء.

وقد اتفقت الشركة الأجنبية المنظمة للاحتفالية مع مسؤولي اتحاد الإذاعة والتلفزيون (الناقل الوحيد للحدث) على استخدام 94 كاميرا موزعة على عدد كبير من الأماكن والزوايا، حتى يتم نقل الحفل وتصويره برا وبحرا وجوا، وأعلن مسؤولو ماسبيرو أمس منحهم شارة بث الاحتفالية لجميع القنوات المصرية الخاصة والعربية والعالمية بالمجان، ومن دون مقابل حتى يستطيع مشاهدته أكبر عدد من المشاهدين في مختلف دول العالم.

استحكامات أمنية

وبينما تتواصل الاستعدادات الفنية لحفل الافتتاح، أعلنت حالة الاستعداد القصوى داخل القوات المسلحة ووزارة الداخلية، بالتزامن مع تأمين احتفال السويس، فضلا عن تأمين المحافظات المصرية وشبه جزيرة سيناء، تحسباً لأي عمليات إرهابية.

وأكد مصدر عسكري أن قوات الحرس الجمهوري تتولى تأمين المجرى الملاحي، بالتنسيق مع جميع عناصر القوات المسلحة والشرطة المدنية، بينما خضعت المدن الرئيسة في سيناء لتأمين قوات الانتشار السريعة.

وشدد وزير الداخلية، اللواء مجدي عبدالغفار، على أن رجال الشرطة على استعداد للتصدي لأي محاولة للعنف، وأنهم لن يسمحوا بإفساد فرحة المصريين بالافتتاح، وأشار خلال اجتماعه بمساعديه أمس، إلى أن أكثر من 250 ألف ضابط ومجند بوزارة الداخلية يعملون تحت درجة الاستعداد القصوى لتأمين البلاد.

وتأتي الاستعدادات الأمنية في وقت تتصاعد المخاوف من عمليات إرهابية من عناصر متشددة محسوبة على جماعة "الإخوان"، التي شن أعضاؤها هجوما على مشروع القناة على مواقع التواصل الاجتماعي.

آفاق تنمية    

وتعتبر القاهرة افتتاح الممر الملاحي الذي تكلف نحو 9 مليارات دولار أميركي بداية مرحلة جديدة تشهد ضخ المزيد من الاستثمارات في الاقتصاد المصري، إذ قال رئيس الحكومة إبراهيم محلب، في تصريحات خاصة لـ"الجريدة"، إن "مشروع القناة فرصة لتنمية قدرات الشباب وخلق فرص عمل جديدة"، مؤكدا أن المشروع ليس نهاية المطاف، بل ستعقبه حزمة من المشروعات الاقتصادية، مضيفا: "المشروع فرصة للتأكيد على عدة أشياء أهمها الاستقرار الأمني في مصر، وتوفير مناخ جاذب للاستثمار".

في السياق كشف مصدر حكومي رفيع المستوى لـ"الجريدة"، أن الرئيس السيسي سيصدر مرسوماً بقانون إنشاء تنمية محور قناة السويس، عقب الانتهاء من الحفل، على أن يتم تحديد المناطق الجغرافية الخاضعة للهيئة الاقتصادية التابعة للقناة في القانون، مشيرا إلى أن هيئة تنمية المحور ستكون المسؤولة عن منح التراخيص للمستثمرين، كنوع من تسهيل الإجراءات، التي لن تستغرق أكثر من 72 ساعة.