كان عاماً كارثياً مروعاً!

نشر في 04-01-2016
آخر تحديث 04-01-2016 | 00:01
 د. عبدالحميد الأنصاري بينما احتفل العالم بقدوم العام الجديد 2016 في ظل استنفار أمني عالمي، ووسط مخاوف أمنية هيمنت على الاحتفالات من شبح الإرهاب الذي خيم على العديد من العواصم العالمية، ودع العالم عاماً حزيناً مثقلاً بالأزمات السياسية والمآسي الإنسانية والكوارث المفجعة، والتوترات الدولية والصراعات الدامية، كان عاماً سمته الأساسية البارزة تغول الإرهاب في المنطقتين العربية والإسلامية ليطول المساجد، بيوت الله تعالى التي جعلها المولى تعالى أمنا للناس، فيما عرف بإرهاب المساجد الذي ذهب ضحيته المئات من المصلين الأبرياء، وهم ركع سجود عبر انتحاريين فجروا أنفسهم بين المصلين الآمنين أثناء أدائهم للفريضة، خصوصاً يوم الجمعة، وهو أسلوب إجرامي جديد للإرهاب لا سابق له في التاريخ الإسلامي، ولا في تاريخ الشعوب المختلفة.

 كذلك تطوَّر الإرهاب وتمدد ليغزو الأوروبيين في عقر دارهم، وليسقط المئات من الضحايا ويرعب المجتمعات الأوروبية، فقد شهدت باريس أحداثاً دموية منذ يناير الماضي، لتختتم بمجازر متفرقة في نوفمبر، إنه عام الإرهاب بامتياز، هذا الإرهاب الذي بلغ من الوحشية الدموية حد اغتصاب النساء من الطائفتين الأيزيدية والمسيحية وبيعهن كسبايا في استعادة لسوق النخاسة التاريخية المندثرة.

 وكل ذلك تم باسم الإسلام، هذا الدين الذي اعتبر قتل إنسان واحد بريء كقتل الناس جميعاً، وجعل جريمة الاغتصاب من أعظم الكبائر المحرمة المغلظة، على أن فظائع الإرهاب وبالخصوص فظائع "داعش"، لم تتوقف على قتل الأبرياء واستباحة النساء وتدمير الأوطان وإرعاب المدنيين، بل دفعت بملايين البشر وبخاصة من السوريين إلى النزوح والتشريد والرحيل عن أوطانهم في هجرات جماعية لأول مرة في تاريخهم، يتكبدون المصاعب ويواجهون الهلاك في البر والبحر، طلباً للأمان والحماية على أنفسهم وذراريهم، باللجوء إلى أوروبا، ومن منا يستطيع نسيان صورة الطفل الغريق إيلان، ممدداً على الساحل الرملي التركي؟! ومن منا لم تدمع عيناه حزناً وألماً؟! كثيرون نجوا ووصلوا إلى بر الأمان الأوروبي، بعد طول معاناة وأهوال، لن ينسى العرب والمسلمون أن ألمانيا وكذلك كندا كانتا الأكثر ترحيباً باستقبالهم، لكن أيضاً كثيرون لقوا حتفهم خلال رحلة عبور المتوسط.

إنه عام المهاجرين العرب أيضاً، عام فتح أبواب أوروبا للاجئين، وكذلك هو عام كشف فيه محور ما يسمى بالممانعة والمقاومة زيف شعاراتها، وخداعها للجماهير والمجتمعات باسم تحرير فلسطين ومحاربة الشيطان الأكبر، لقد كان منهج الممانعة، منهجاً للوصول إلى السلطة وتدمير المجتمعات والدول وتخريبها، ها هو عدو الشيطان الأكبر يعقد صفقته مع من سماه الشيطان الأكبر، لإطلاق يده لمزيد من التدخل في الشأن العربي، وإيذاناً بالانفتاح عليه، وها هو الحزب الذي نشأ باسم المقاومة يوجه نيرانه وميليشياته ضد مجتمعه والمجتمعات العربية!

من كان يصدق أن أقدم سجين في إسرائيل، يتحول من مقاوم إلى عدو للشعب السوري؟! لتتحقق مقولة الكاتب اللبناني حازم صاغية، في أن المقاومات في حقيقتها، ما هي إلا حروب أهلية مقنعة ومموهة، هدفها الرئيس السلطة والحكم والهيمنة، وكل من نادوا ورفعوا شعارات التحرير والاستقلال والمقاومة، إنما كان هدفهم الأساسي أن يهيمنوا ويستبدوا بالسلطة! وكل من رفعوا شعارات عدم التبعية للغرب إنما عززوا التبعية لهذا الغرب، عبر تكريس القطيعة مع الغرب الحضاري وترسيخ التبعية لأن التخلف هو التبعية الحقيقية لا الانفتاح على الغرب وإقامة علاقات ناضجة وصحية.

وهو عام شهد فيه سقوط إمبراطورية بلاتر ورجاله، بعد طول تستر ومراوغة ورشا، فيما عرف بفضيحة الفساد الكبرى للاتحاد الدولى لكرة القدم، كما شهد سقوط أسعار النفط إلى أدناها.

ختاماً: إن أبرز إيجابيات العام الراحل هي بداية يقظة الخليجيين والعرب في نجاحهم تشكيل تحالف عاصفة الحزم الذي أوقف تمدد المشروع الإيراني في اليمن، وأعاد الشرعية وتصدى للمتمردين الحوثيين وحليفهم، وحمى الخليج والسعودية من مخطط كان يستهدف أمنهم واستقرارهم ومصالحهم، فهو عام الحزم والأمل، الحزم في مواجهة التدخل الايراني، والأمل في مستقبل مزدهر لليمن.

كذلك نجاح السعودية في حشد أكبر تحالف عسكري إسلامي لمواجهة الإرهاب، تأكيداً لأهلية المسلمين تحملهم المسؤولية، وأبى العام أن ينصرف حتى لفظ الإرهاب الداعشي آخر أنفاسه في الرمادي فيما يراه المراقبون بداية النهاية لدويلة "داعش" الإرهابية في العراق وسورية، وهو كذلك عام إعادة التوازن للدور العربي في موازاة الأدوار الإقليمية والدولية في المنطقة، ولا أنسى أن أختم بأن مصر نجحت في استعادة عافيتها سياسياً واقتصاديا وأمنيا ودوليا وأكملت خارطة الطريق.

* كاتب قطري

back to top