كيف ترى المشهد العام لحرية التعبير راهناً؟

Ad

يصعب الحديث عن حرية التعبير على نحو مجرد معزول عن سياقه التاريخي والسياسي والثقافي، ويصعب أيضاً الحديث عن حرية التعبير إلا بالنظر إلى قوانين الدولة الخاصة بالرقابة، وبالحديث كذلك عن وضع هذه القوانين مقارنة بالعالم الغربي عموماً، والأوروبي خصوصاً، فضلاً عن النظر إلى حرية التعبير في مصر، تحديداً ما يمس منها ما يسمى بالتابوهات الثلاثة السياسي والجنسي والعقدي. ولا شك أن ما حدث في مصر منذ 25 يناير 2011 وحتى الآن مقدمة لثورة لم تنته بعد، وما زالت روحها مستمرة حتى يستعيد الشعب المصري حقه في حياة كريمة وحرة. إذا وضعنا هذه العناصر أمامنا في سياق حديثنا عن حرية التعبير في مصر سنجد أننا نتمتع بقدر كبير من الحرية مقارنة بالعالم العربي، ولكنها لم تصل بعد إلى مستوى طموحنا وأحلامنا. وللأسف، ثمة من الإعلاميين من يقيّد حرية التعبير أكثر من السلطة. وأرى أن النقد الذي يوجه الآن إلى السلطة السياسية أو الدينية وصل إلى حدود كبيرة لا يمكن مقارنتها بالفترة التي سبقت 25 يناير. ويُنظر إلى الحرية بوصفها حرية مقيدة بسبب الاحتراب بين فصائل فكرية مختلفة، وهو احتراب جيد لأنه قد يقود إلى نوع من الموازنة بين مراكز قوى فكرية وحزبية وسياسية كثيرة في المجتمع المصري، لكنه قد يكون سيئاً أيضاً إذا تحول هذا الاختلاف إلى اتهامات بالعمالة والخيانة والأخونة مثلما يحدث أحياناً.

أعتقد أن حرية التعبير الآن في حالة مخاض، تضيق حتى تصل إلى مكارثية بغيضة، وتتسع حتى تصل إلى سب وقذف، ومجاوزات أخلاقية بغيضة. وأرى أنه إذا تمسك المصريون عموماً والمثقفون منهم خصوصاً بحقوقهم سنشهد حرية تعبير تقترب من الحرية التي نراها في أوروبا والمجتمعات المتقدمة.

كيف ترى دوراً للأدباء والمثقفين خلال المرحلة المقبلة؟

دورهم فى تراجع، لأن ثمة نخبة مثقفة مبعدة وصامتة يمكنها أن تأخذ بيد البلاد في مواجهة الإرهاب، وذلك في ظل تحوّل العنف إلى فكرة، فالفكر لا يقاوم إلا بالفكر، وقتل العدو يكون بالقضاء على أفكاره وليس بتصفيته فحسب، وهو ما تقوم به أي ثقافة.

معركة الإرهاب طويلة ويجب أن يشارك فيها أكبر عدد من المثقفين، ومشروع الثقافة في مصر ليس حقيقياً، علماً أنني طرحت في مقالاتي المتتابعة في {الأهرام}مشروعاً قومياً للثقافة، مصر في أشد الحاجة إليه. وتساءلت في هذه المقالات أيضاً: لماذا لا يقابل رئيس الجمهورية المثقفين؟ فقد قابل نخبة في رأيي جلها فاسد، وكان من المنتظر أن يقابل {إنتلجنسيا} جديدة كانت مستبعدة، أو أبعدت نفسها بنفسها، هي في حقيقتها حاملة لوعي نقدي، قام على نقد السياسات الثقافية القديمة، وتعرف تماماً أسئلتها، من هي؟ وماذا تريد؟

ما مشروعك الثقافي؟

مشروعي عن وزارات الثقافة السبع الذي تكلمت عنه مراراً وتكراراً، وهو تشكيل هيئة عليا للثقافة تتبع مباشرة رئاسة الجمهورية ضمن منظومة تشمل أيضاً وزارات الشباب والرياضة، والتربية والتعليم، والتعليم العالي، والآثار، والأوقاف، والإعلام، فضلاً عن مؤسسات المجتمع المدني وعلى رأسها النقابات، وهي الجهة المخولة بمحو الأميتين الهجائية والرقمية، ووضع السياسات الثقافية العليا للدولة، ونقل مصر من الإنفاق على المشروع الثقافي إلى اقتصاديات المعرفة من خلال مفاهيم الاقتصاد الثقافي، وفي هذا تفصيلات يضيق المكان عن الخوض فيها، فأنا لا أرى دوراً ملموساً للحركة الثقافية منذ عقود ثلاثة، ولا يمكن أن أحكم عن نجاح أي مشروع ثقافي إلا من خلال أثره الاجتماعي هنا والآن، فلا يوجد أي أثر اجتماعي لإنفاق الدولة على الثقافة وهذه كارثة، ومشروعي الثقافي يمكن أن يُنجز خلال ثماني سنوات، وبه تنتقل مصر من الإنفاق على الثقافة إلى إنفاق الثقافة عليها، ومن الاستيراد الثقافي إلى التأثير على من نسميه آخر، ومن الترجمة من الآخر إلى الترجمة إليه...

ما أبرز المشاكل التي تواجه اتحاد الكُتاب؟

ثمة كثير من المشاكل المتراكمة عبر عقود أربعة سابقة، أبرزها قانون اتحاد الكتاب وما فيه من عوار، لأنه حين كُتب فُصّل على توفيق الحكيم ويوسف السباعي، جامعاً بين قانون النقابات وقانون الجمعيات فولد شائهاً من بداياته، ومن ذلك أمور تختص بالتمويل. معاش عضو اتحاد الكُتاب مثلاً لا يتجاوز الـ 230 جنيهاً، أي سدس الحد الأدني للأجور، وثمة من أعضاء اتحاد الكُتاب من يطالب بالمساواة بين معاشه وبين أجر عامل القمامة، ولولا منحة الشيخ سلطان القاسمي حاكم الشارقة بدولة الإمارات العربية المتحدة ودعم القوات المسلحة لنا، في حالات العلاج، لكانت المشكلة كارثية، لأن الحكومات السابقة لم تدرك أهمية المثقف في دعم عجلة التنمية، وهنا أتحدث عن الثقافة بمعناها الواسع الذي يشمل نواحي الحياة كافة.

في ظل الحديث عن تجديد الخطاب الديني، كيف ترى آلية  التجديد وأبعاده؟

هذه مشكلة، وقد تصعد إلى درجة الإشكالية عند التأمل فيها. السؤال الأول: هل يمكن تجديد هذا الخطاب أصلا؟ تجديد الخطاب الديني شعار رنان صار مبتذلاً، وتحول إلى {كليشيه}، فحين نتحدث عن تجديد الخطاب الديني، فإننا نفترض وجود خطاب ديني واحد، وهذا أمر غير صحيح، نظراً إلى وجود خطابات متعددة. بل إن في المذهب الواحد أكثر من خطاب على المستوى الفقهي أو المستوى العقدي، فكيف تجدد ما لم يتحد؟ وكيف تطرح رأياً جديداً موجود أصلاً لكنه متنح لا يصعد على سطح النصوص المتداولة. الأمر الثاني المهم، هل تجديد الخطاب سيؤثر على طبيعة النص الذي تم استقاء هذا الخطاب منه؟ وهل سيسمح بذلك أهل المجال بتعبير بيير بورديو؟ والأمر الثالث، ما النواحي التي قد نجددها في الخطاب الديني؟

 وقبل ذلك كله، ما هذا الوهم الذي يشتعل في عقول كثيرين وهم يظنون أن تجديد الخطاب سيؤثر على نحو آلي ومباشر بالواقع العقدي المُعاش، فهذه العلاقة بين الواقع والنص شديدة التعقيد على المستوى الفكري وترتبط بسياقات اجتماعية وثقافية وجغرافية واقتصادية عدة، فضلا عن قيم مغروسة تختلف من مكان له طابع جيو- سياسي محدد، إلى مكان آخر. يرتبط تجديد الخطاب الديني في حقيقته باختيار محدود لخطاب ما من خطابات متعددة وصالحة لمتخيل عقدي جديد عن الشريعة في حركتها وليس في سكونها، والشريعة هنا غير الفقه، على ألا يخالف هذا الاختيار أصله على نحو فج كي لا يحدث صدام يؤدي إلى انقسام في المجتمع يفقد الجهد الفكري قيمته.

ما آخر مشاريعك الأدبية التي تعكف عليها حالياً؟

أصدر قريباً ديواناً عنوانه {إيكاروس أو في تدبير العتمة: يوميات من ثورة 25 يناير}، يقوم على تجربة جديدة هي الحكاية الشعرية. وثمة كتاب مهم أرى أنه أحد أفضل ما كتبت من سنوات عنوانه {العولمة وصناعات الهوية}، أحاول أن أقدم فيه طرحاً جديداً عن مفهوم الهوية ومفهوم الأنا والآخر في سياق تاريخي محدد هو العولمة وما نعيش فيه الآن، ذلك من خلال معالجة فلسفية وفكرية جديدة لفكرة الأصل.

 كذلك أراجع راهناً كتاباً عن {التعازي الشيعية في ضوء الشعريات المقارنة}، ذلك من منظور درامي. أصدر أيضاً كتاباً قريباً يطرح رؤية نظرية أرجو أن تكون جديدة عن {سياسات ما بعد الحداثة في العرض المسرحي}. أما الكتاب الذي أراجع نصه النهائي قبل الطبع الآن فعن {تحليل النص الإبداعي من منظور نفسي: الشعر نموذجاً}.