أثار مقال تحليلي نشره وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر في صحيفة "وول ستريت جورنال"، تناول فيه الاضطرابات المنتشرة في الجزء الأكبر من الشرق الأوسط ضجة بين خبراء المنطقة والمراسلين، وأشعل مناظرة حول كيفية إنهاء التحدي الأكثر إلحاحاً، في رأي كثيرين، الذي يواجهه الشرق الأوسط اليوم: الحرب الأهلية في سورية.

Ad

يُقال إن كيسنجر ذكر ذات مرة، بعدما سئل في ثمانينيات القرن الماضي عن حرب السنوات الثماني بين إيران والعراق: "من المؤسف ألا يخسرا كلاهما المعركة، ومن غير الممكن تحقيق ذلك". ولا شك أنه يألف جيداً الشرق الأوسط، ويدرك كم من الصعب تفادي صراعات هذه المنطقة وإنهائها، ويؤكد كيسنجر أن وقف سيطرة "داعش" على الأراضي وتصرفات هذا التنظيم الجنونية يشكل ضرورة ملحة، ويجب أن يُعتبر أولوية أكثر أهمية من الإطاحة برئيس سورية الصوري بشار الأسد.

فقد أعلن: "طالما أن تنظيم داعش مستمر ويحتفظ بسيطرته على منطقة محددة جغرافياً، سيضاعف التوتر في كل أرجاء الشرق الأوسط. فبتهديده كل الأطراف ونشره أهدافه خارج المنطقة، يجمد المواقف الراهنة ويدفع الجهود الخارجية إلى تطبيق التصاميم الجهادية الأساسية؛ لذلك يُعتبر القضاء على داعش أكثر إلحاحاً من الإطاحة ببشار الأسد، الذي خسر نحو نصف المنطقة التي كان يسيطر عليها سابقاً. إذاً، يجب إعطاء الأولوية للحرص على عدم تحول هذه المنطقة إلى ملجأ دائم للإرهاب، لكن الجهود العسكرية الأميركية غير الحاسمة راهناً قد تشكل أداة تجنيد لداعش، بما أن هذا التنظيم يتصدى لقوة الولايات المتحدة الجبارة".

صحيح أن هذا الطرح لا يُعتبر مثيراً للجدل حقاً (قليلون يخالفونه الرأي ولا يعتقدون أن مجموعة إرهابية تربط أعداءها بآثار قديمة ومن ثم تفجرها تستحق هزيمة كاملة)، إلا أن مستقبل حكومة الأسد، فضلاً عن حصته من المسؤولية في ظهور داعش، تحول إلى موضوع جدل دائم في أوساط السياسة الخارجية، وسيبقى كذلك على الأرجح طالما أن موسكو وطهران تؤديان دوراً في عملية السلام السورية.

لكن البعض يشددون على أن صانعي السياسات والمحللين غالباً ما يعتبرون خطأً أن الأسد أهون الشرين لا وجه آخر لهذا الشر عينه، ونتيجة لذلك يواجه القادة الغربيون خطر تمكين نظام ما عاد يملك القدرة على توحيد سورية مجدداً، وفق فريدريك هوف، مستشار خاص سابق في وزارة الخارجية الأميركية.

ويضيف هوف: "نتفهم ربط عشيرة نظام الأسد- مخلوف وأوساطه الداخلية- بالحكومة (بما فيها الجيش وسلاح الجو السوري)، إلا أن هذا مضلل، ويشيع الاعتقاد أن اختفاء الأول سيؤدي إلى انهيار الثاني، مع أنه لا أساس له من الصحة، بل على العكس سيفتح رحيل النظام الباب أمام أنواع مختلفة من النقاشات السورية عن التدابير الأمنية، وعملية انتقال السلطة، وتوحيد الجبهة ضد داعش التي تُقاطع اليوم وتُعرقل بسبب الضربات القوية التي تتلقاها من أعوان النظام".

يذكر هوف أن "طرح ربط النظام والحكومة" بات وجهة نظر واسعة الانتشار عن الوضع في سورية داخل إدارة أوباما، وأن هذه النظرية تعطي خطأ الشرعية لثنائية الخيار (الخاطئة أيضاً، وفق هوف) بين داعش والأسد.

هوف محق على الأرجح بشأن تفكير البيت الأبيض بشأن سورية، إذ يتضح مع كل أسبوع يمر أن الإدارة تشاطر كيسنجر شعوره بضرورة كبح تقدم داعش الملحة.

علاوة على ذلك، قد تجد الشعوب الغربية أن من الصعب تقبل حرب ضد حاكم مستبد في الشرق الأوسط لا يشكل أي خطر واضح أو مباشر يهددهم، لكنهم قد يدعمون حرباً ضد مجموعة جهادية متطرفة تصر على نقل أعمالها الإرهابية العنيفة جداً إلى عواصم أوروبا الغربية والنصف الغربي من الكرة الأرضية.

* كيفن سوليفان