حنان رحيمي، شاعرة وروائية من لبنان، عضو اتحاد الكتاب اللبنانيين، حرصت، منذ امتشقت قلمها للمرة الأولى وخطت على الورق بعضاً من فكرها، أن تغوص في الجروح التي تدمي الواقع، سواء اجتماعية أو سياسية، لذا في مجمل نتاجها (ديوان {جنى المطر}، رواية {حياة في منتصف الموت}، {بائعة الأعشاب} التي نالت عنها جائزة مهرجان {همسة الدولي للآداب والفنون} في القاهرة)، تشارك شخصياتها مع البيئة والزمان والمكان، وتعاود رسمها وهي ترفل بطابع من النضج الذي اكتسبته من التجارب التي مرت بها الكاتبة لا سيما إبان الحرب التي عصفت بلبنان... جالت حنان رحيمي في رواياتها وقصصها القصيرة في عالمي المرأة والرجل، في العادات والتقاليد التي تفرض سلوكيات معينة يتربى عليها الطفل منذ سنواته الأولى، وتكبر معه لتشكل في ما بعد معضلة في علاقاته مع الغير لا سيما المرأة، لذا يبدو كل من الرجل والمرأة ضحية في أدبها، الرجل ضحية منطق الذكورة الذي يتشربه مع الحليب منذ ولادته، والمرأة ضحية الضعف والخضوع للرجل اللذين تتشربهما منذ ولادتها ايضاً. في كل قصة أو رواية أجزاء من حياة حنان رحيمي، كذلك في شعرها، فهي تستقي عباراتها وأفكارها ومواضيعها من وقائع حياتها اليومية وظروفها القاسية، كيف لا وهي أم لشابة في ربيعها العشرين مقعدة، فأهدت إليها ديوانها {جنى المطر}، هي الروح النابضة في روحها وبين كلماتها وفي قلب شعرها. حول روايتها الجديدة {بائعة الأعشاب} (الدار العربية للعلوم) التي توقعها في 4 ديسمبر المقبل ضمن {معرض بيروت العربي الدولي للكتاب} ومجمل نتاجها كان الحوار التالي معها.

Ad

من الشعر «جنى المطر» الى الرواية «حياة في منتصف الموت» الى القصة القصيرة ومجموعة «بائعة الاعشاب» اين تجد حنان رحيمي نفسها؟

 العمل الأدبي وحدة متكاملة في سياقها الفني... فالشعر التقاط وهج لحظة معينة، إن اختفى هذا الوهج ولم يُسجل ضاعت اللحظة الشعرية بما تحمله من مشاعر وانفعالات... والرواية عالم واسع المدى يستلزم الصبر والمثابرة في تتبع الأحداث والتواريخ والشخصيات... أما القصة القصيرة فهي حدث واحد في زمان واحد ومكان.. قد تجرنا الى الفلاش باك أو المنولوج الداخلي، وإني لأجد نفسي في كل هذه العوالم، الشعر، والرواية، والقصة القصيرة.

في مجموعتك القصصية «بائعة الأعشاب» العلاقات بين الأشخاص ليست تقليدية بل تحمل ابعاداً تغوص في عمق البوتقة الاجتماعية، فهل قصدت تعرية الواقع الرازح تحت التابوهات المكبلة؟

«بائعة الاعشاب» مجموعة قصص من عالم الواقع المعاش، تجمع بينها حالات البؤس وضياع القيم وانشطار المجتمع انشطاراً عمودياً لا لحمة فيه.. تعالج هذه الاقاصيص الثلاث عشرة قضايا ملحّة.. ليست خطاباً لمجتمع وبيئة واحدة، بل تخطت حدود الجغرافيا لتصل الى مجتمعات أخرى كقصة «سرقوا صوت أمي» وقصة «غريب وغربة»...لأنها من صميم الحياة في أي مجتمع... ولعل القارئ سوف يتلمس بعضاً من معاناته خلال قراءته هذه المجموعة، بل ولعله يراها في كثير من الوقائع حوله...

 ترسمين في قصصك احداثاً وتفاصيل قد يصادفها الناس ولا ينتبهون إليها..

صحيح إنها حكايات نائمة كان يجب أن أصحيها علّها تجد طريقها نحو الصباح... وهنا يكمن دور الكاتب، لانه يرى ما لا يراه الآخرون، فالكتابة معاناة ومشاعر ومواقف يمر بها، يطلقها عبر الحرف والكلمة.. ايضاً هي رؤيا ومراقبة ورصد للحالات المحيطة بنا ومدى تأثر الكاتب بها.

لماذا اخترت عنوان «بائعة الاعشاب» مع أن ثمة عناوين ملفتة اكثر ضمن المجموعة؟..

قصة «بائعة الاعشاب» نالت جائزة القصة القصيرة في مهرجان عربي دولي في مصر، ولكن ليس لهذا السبب اخترتها بل لتكون في الواجهة، فهي من اهم القضايا الإنسانية: قضية كبار السن، الذين تجبرهم الحاجة إلى تسوّل لقمة العيش والدواء في أواخر عمرهم.. أو البحث عنها في عمل شاق لا تحتمله اجسادهم الهرمة، على أمل أن يُنفض الغبار يوماً ما عن قانون ضمان الشيخوخة... الرجل في قصصك وحش كاسر ينقض على فريسته المرأة هي الضحية دائماً،

 فهل يدخل ذلك ضمن معاناة المرأة الشرقية من المجتمع الذكوري؟

لا، الرجل ليس وحشاً كاسراً بل مجتمعاتنا العربية متخلفة.. فالاغتصاب يطال الاثنين معاً، هو يغتصبون عقله، وهي يغتصبون روحها وجسدها...الرجل ضحية كالمرأة تماماً نتيجة بيئته حيث ارتشف ذكوريته مع حليب أمه، الأم التي لها الدور الأساس في بناء هذه الذكورية وترسيخها، حين تبتهج وتفتخر بنفسها عند ولادة الذكر وتبكي وتصاب بعقدة النقص عند ولادة الأنثى... من هنا يبدأ بناء المجتمع الذكوري المتسلط.. وهذا ما حاولت ايصاله في قصة «سأستعيد دمي»، لفت الانتباه الى جذور المشكلة لا الى نتيجتها.

شخصياتك القصصية والروائية هل هي حقيقية أم من وحي الخيال؟..

نحن في زمن لا نحتاج فيه إلى الخيال، فما يحدث حولنا على أرض الواقع يفوق الخيال.. إنها حقيقية جداً وأحداثها حقيقية، شدت تفكيري وشغلت مساحة كبيرة من مشاعري كإنسانة.. عايشت أبطالها وكنت الشاهد على كثير من احداثها، ولكني حين اخترتها وتعاملت معها ككاتبة كان لا بد من بعض اللمسات الفنية لتكتمل الصورة.

 ابو حجر الشاب المشوه في إحدى قصصك هل يرمز الى التشويه الكامن في النفس البشرية بمعنى أن في داخل كل منا ابو حجر؟

نعم فبعض البشر تحجرت قلوبهم... أبو حجر أسطورة بشرية تحكي صراع الخير والشر في الوجدان الإنساني، هي حكاية فئة من البشر كان قدرهم ان يولدوا مشوهين جسدياً ووقوعهم فريسة جهل آبائهم وخجلهم بهم.. وقسوة وظلم المجتمع لهم، التشوه الحقيقي للبشر ليس في القشرة الخارجية للجسد، التشوه والجمال عنصران يكمنان في حنايا الروح.

ما يلفت النظر في روايتك وقصصك انها مغلفة بالفكر السياسي فهل جاء صدفة ام أنك قصدت ذلك؟

بكل تأكيد كنت واعية تماماً لما اردته، فالواقع السياسي أصل البلاء لما افرزه من تلوث فكري وانحطاط اجتماعي واقتصادي على المواطن الذي لا حول له... إحدى قصص المجموعة «عنتر زمانه والزعيم» وهي من الكوميديا السوداء وصفت حالة الانسان الطائفي بشكل سيشعر بالخجل بعد القراءة لانه سيكتشف حقيقة نفسه ومكانته لدى من يتبع من زعماء طائفيين، جعلوه وقوداً لطهو مصالحهم..

 رواية «حياة.. في منتصف الموت» والتي كان لها نصيب كبير من النجاح، إلى أي مدى ساهمت الحرب الاهلية في رسم احداثها؟.

 الرواية واقعية تحاكي حقبة من زمن مؤلم مر به لبنان، مضت، ولكن فصولها السوداء لم تمضِ... ما زلنا نجددها ونعيش راهنها بأكثر مظاهرها بشاعة. اضأت من خلال الرواية والتي تدور أحداثها منذ الخمسينات حتى يومنا هذا على عدة نقاط كانت السبب بما وصلنا اليه من حرب وكوارث.. أردت أن أقول إن لكل منا بصمة في شق طريق الظلم والظلام واننا جميعاً شاركنا بتدمير انفسنا ومجتمعاتنا وأوطاننا، ودفعنا إلى ولوجها أجيالا تعاقبت على سلوك مسارات العتمة، أجيالا محنطة وأخرى قيد التحنيط، تعيش في الرطوبة بظل افكار موروثة تعبث بها عند الحاجة مصالح الحكام لتفوح رائحتها حروبا وموتاً ودماراً.  رواية، تتناول في طياتها الفوارق الطبقية، حكاية بشر خلقوا للسير بأقدام حافية... وبشر خلقوا للسير على رؤوس هؤلاء الحفاة. فهل نعود من منتصف الموت لملاقاة الحياة!!.

تجميل البشاعات

• كيف تتعامل الرواية مع البشاعات في الحياة وهل مفروض تصويرها على حقيقتها؟

إن كانت الرواية إعادة صياغة للحياة من وجهة نظر، فالفن يجب أن يكون جميلا في معالجة ما هو اقبح من القبح. أنا هنا معنية بالإنسان وعلاقته بأخيه الإنسان... لا سيما حين ينطلق الوحش الكاسر من أعماق تغادر فيها الإنسانية إنسانيتها عبر تفجير الجوع المزمن للتملك والاستبداد، حيث يسود الخراب متنقلا من الجوف الداخلي المريض إلى الوطن كله... هذه الكلمات استعرتها من مقطع كتبه الروائي نواف ابو الهيجاء حول روايتي «حياة... في منتصف الموت».

• إلى أي مدى أنت حاضرة في قصصك؟

في مقدمة «بائعة العشب»، كتب الروائي المصري علي أ. الدهيني حول هذه النقطة بالذات: ...لا يبدو أن الكاتبة تملك الخيار بقدر ما هي محكومة في اختيار موضوعاتها، بحسب توجهها في الكتابة، ونتيجة لما يبدو أنها حبيسة الموضوع

العام الذي طبع قصصها، وهو مأساة الإنسان، وهذا يعود في حقيقته، إلى أن حنان رحيمي تعاني في حياتها قبساً لا بأس به من معاناة أشخاص قصصها، نتيجة قربها من الأماكن التي تدور فيها أحداث هذه القصص...