"يبدو أن الله قرر أن يعاقب النخبة الحاكمة في تركيا، إذ حرمها من العقل"!
هذه آخر قذيفة صوتية وجهها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وحكومته، من خلال رسالته السنوية إلى البرلمان الروسي التي تلاها على وسائل الإعلام في قصر غيورغيفسكي بالكرملين أمس، والتي كان من الممكن أن تُفهم على أنها مؤشر على أن هناك "تلييناً" للأزمة المتصاعدة بين البلدين، لو لم تتضمن هذه الرسالة تهديداً مبطناً جاء فيه: "إنه لابد أن ينال من اعتدوا على الطائرة الروسية فوق الأراضي السورية جزاءهم".وبغض النظر عما قاله بوتين والذي هو بمنزلة توجُّه إلى الله، جل شأنه، بأن يعاقب النخبة الحاكمة في تركيا بحرمانها من العقل، يلاحظ أن احتمالات المواجهة العسكرية بين روسيا وتركيا قد تراجعت كثيراً، بل إنها أصبحت مستبعدة جداً وبصورة نهائية، وذلك مع أن الاتهامات المتبادلة بين كبار مسؤولي البلدين بالنسبة لـ"تهريب" نفط "داعش" لاتزال متواصلة، مع ملاحظة أن الاصطفاف الأميركي، وبالتالي الأطلسي إلى جانب أنقرة، أصبح أكثر وضوحاً وحسماً، مما قد يشجع إردوغان على استبدال مفردات الاعتدال بمفردات من الوزن الثقيل وأكثر شدة وقوة.في كل الأحوال يمكن القول إن روسيا، بعد دخول فرنسا وألمانيا وأخيراً بريطانيا على خط المواجهة العسكرية مع "داعش"، أصبحت في وضع لا تحسد عليه، فهي من جهة لم يعد بإمكانها مواصلة التصعيد العسكري، في ظل كل هذا "التحشيد" الأطلسي في سورية أرضاً وجواً وبحراً، وهي من جهة أخرى لا تستطيع رفع يديها عالياً وإعلان أن مهمتها قد انتهت عند هذا الحد، وبالتالي فإنه على الآخرين أن يلتقوا بها في منتصف الطريق حفظاً لماء الوجه.وحقيقة أنه كان من الواضح ومنذ البدايات أن روسيا تستطيع القيام بـ "مظاهرة" عسكرية ناجحة، وأن بإمكانها أن تستعرض عضلاتها لإخافة المعارضة السورية، ولتهدئة روع بشار الأسد ونظامه وللتأثير على معنويات الشعب السوري، ولتحقيق بعض الإنجازات العسكرية "التكتيكية" في بعض جبهات المواجهة، لكنها في النتيجة لن تستطيع الاستمرار، لأنه سيجعلها "تتورط" في مستنقع جديد سيكون في كل الحالات أخطر وأسوأ كثيراً من المستنقع الأفغاني. وربما كان بوتين - عندما لجأ إلى تصعيد غير متوقع بعد إسقاط طائر الـ "سوخوي 24" الروسية - يراهن على تخاذل الرئيس باراك أوباما وتردده وميوعة مواقفه، وكان يستبعد انحياز حلف الأطلسي إلى تركيا، رغم أنها إحدى الدول المؤسسة له، وكان أيضاً يعتقد أن الألمان والبريطانيين والفرنسيين لن يدخلوا جديّاً على مواجهة "داعش"، لكن بعدما ثبت أن كل هذه التقديرات والمراهنات ليست دقيقة ولا صحيحة، فإن الواضح أن الرئيس الروسي الذي يعاني أوضاعاً اقتصادية صعبة جداً، بات يفكر في الاكتفاء من الغنيمة بالإياب، ويسعى إلى الخروج من هذا المأزق الذي أدخل نفسه وبلده فيه بالطريقة التي تحفظ ماء الوجه والكرامة.لكن يجب ألا يفهم هذا على أن بوتين سيخرج من "اللعبة السورية" نهائياً، أو أنه سيخرج من هذا المولد "بلا حمص"، كما يقال، فأطراف المعادلة الأخرى، أي الذين يسمون أنفسهم "أصدقاء سورية"، لا يريدون هزيمة لروسيا ولا إقصاء لها، وخاصة أن هناك تحاشياً واضحاً للعودة إلى الحرب الباردة مرة أخرى، وبالتالي فإن كل ما يريدونه ويسعون إليه هو أن يقتنع الرئيس الروسي بأن مطلب بقاء الأسد حتى في المرحلة الانتقالية وفق "جنيف1" غير ممكن، وأنه لا إمكان إطلاقاً لفرض وجهة نظره على الآخرين، وبالتالي فإن بإمكانه الحصول على بعض ما يطلبه إن كان في البحر الأبيض المتوسط وشواطئه السورية، وإن كان بالنسبة إلى الأزمة الأوكرانية وأزمة العقوبات المفروضة على بلاده، لكن تحقيق الأوهام والتصورات التي راودته في لحظة من اللحظات بعد احتلال قواته لسورية، فإن هذا متعذر وغير وارد على الإطلاق.
أخر كلام
بوتين... هل هي العودة للواقعية؟!
04-12-2015