«عيال حريفة»!
ماذا لو طالبوك، وأنت كاتب السيناريو المحترف، أن تجعل من الراقصة الأرمينية صوفينار جوريان {بنت بلد» تَمْشيِ فِي الحارة المصرية مَرَحاً، وتختال بنفسها، وكأنها ستَخْرِقَ الأَرْضَ أوَ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً؟من المؤكد أنك ستُصاب بصدمة، وتظن أن الشركة المنتجة التي قدمت لك هذا العرض قد أصابها مس من الجنون، ولن تتردد في الرفض مهما كان العرض مُغرياً لكن السيناريست سيد السبكي فعلها، ووافق على أن يجعل من الأرمينية ابنة الحارة الشعبية، التي تحمل اسم «جوافة». وكي يبرر جريمته ادعى أن والدها الجزار «ضاحي» (بيومي فؤاد) أنجبها بعد زواج شرعي ربطه ووالدتها الإيرلندية (!)
هكذا صُنع فيلم «عيال حريفة»، الذي أخرجه محمود سليم، وجاء كارثة بالمقاييس كلها، بعدما افتقد المقومات الرئيسة التي تجعله يُصنف بأنه فيلم سينمائي، فالبناء يعتمد على مجموعة من «الاسكتشات» التي لا يربط بينها سوى تكرار الوجوه، و{الأغاني» التي يتناوب تقديمها، حسب الظهور، سعد الصغير، محمود الليثي وحسن الخُلعي، ويتبادل الرقص فيها: صوفينار، بوسي واليسار، بل إنك تستطيع، كمتابع أن تُقدم وتؤخر المشاهد (مونتاج مينا فهيم) من دون أن تتأثر الأحداث! المفارقة أن الفيلم، وكعادة أفلام آل السبكي، يتشبث بالمحاكاة الساخرة للأعمال الفنية الشهيرة مثل: «شيء من الخوف»، «باب الوزير»، «الضوء الشارد» و{المال والبنون» في ما اصطلح على تسميته «البارودي» Parody، بل إنه يوظف هذا الفن الشهير للسخرية من حسن شحاتة والإعلانات التجارية، لكنه ينحرف كثيراً بإقدامه على تشويه استعراض «الحبيب المجهول»، الذي غنته ليلى مراد في فيلم «عنبر» (1948)، وعرفه الناس باسم «اللي يقدر على قلبي»، ويُعيد تصويره في أوبريت بعنوان «شبيكي لبيكي» حلت فيه «بوسي» مكان ليلى مراد بينما استعان بالصعاليك: حسن الخلعي، سعد الصغير، محمود الليثي، محمد لطفي بدلاً من إسماعيل ياسين، شكوكو، عزيزعثمان، إلياس مؤدب وأنور وجدي، واستغنى عن كلمات حسين السيد وألحان محمد عبد الوهاب ليستعين بكلمات شخص يُدعى محمد البوغه وألحان محمد عبد المنعم لتصبح المقدمة، بعد التشويه، «الكل قصاد عينيكي هيموتوا على بصة وبيطلبوا إيديكي رجالة واقفه طابور متقدمين بالدور وأنتي اللي تختاري مين اللي يليق عليكي» بعد ما كانت أبداننا تقشعر بصوت ليلى مراد وهي تشدو: «اللى يقدر على قلبي يخطفه وأنا أجرى وراه.. واللي يقدر على حبي يخطبه وأنا أعيش وياه.. عايزة حبيبي من غير ما أناديه يرد عليا وأرد عليه.. وساعة إيدي ما تيجي في إيديه أحس بقلبه وأشوف بعنيه»!الأكثر إثارة أن فيلم «عيال حريفة» يدعي أنه «فيلم وطني»، من خلال مسؤول اتحاد كرة القدم، الذي يُطلق على نفسه «الفاسد» (سامي المغاوري)، ويضع العقبات في طريق فريق الكرة النسائي لكي يواصل هزائمه، حيث يرى أن الانتصارات تسلط أنظار الصحافة والإعلام، ومسؤولي الدولة، على الاتحاد، ويهدد استقرار صفقاته الفاسدة، وجرائم النهب، وإهدار المال العام على العاهرات. لكن المدير الفني «سبعاوي» (محمد لطفي) يرفض الانسياق وراء المؤامرة القذرة، ويستعين بالفريق القادر على الفوز، وقبل المباراة النهائية للمنتخب الوطني يستعين بأغنية «بُشرة خير»، ويتوجه بالتحية لصورة رئيس الدولة الحالي في حين يعود للمحاكاة الساخرة من أغنية «واحد مننا»، التي تغنى فيها عمرو دياب بالرئيس السابق حسني مبارك، ويزج من دون مناسبة بأغنية «أما براوة» لحسين الجسمي، وكالعادة ينتهي الفيلم باللوحة الرقابية المعتادة: تم القضاء على «الفاسد» والقبض على «سباعي»، الذي أصبح مديراً فنياً لفريق السجن!أطرف ما في ظاهرة فيلم «عيال حريفة» أن الجمهور بدا وكأنه ينتظر نهاية أحداث الفيلم ليتابع أغنية «مفيش صاحب يتصاحب» لفريق «شبيك لبيك» (حسن البرنس، ناصر غاندي وفارس حميدة)، ولم يغادر أحد القاعة بالفعل، لكنني فوجئت عندما استمعت إلى الأغنية أن «آل السبكي» أدخلوا تغييراً على كلماتها، فالمقطع الأصلي الذي يقول «تعظيم سلام من غير كلام.. (عزبة محسن).. ناس تمام» أصبح بقدرة «السبكية»: «تعظيم سلام من غير كلام.. (عيلة السبكي)... ناس تمام» (!) ومقطع الأغنية الأصلية الذي يقول: «أولاد سليم (اللبانين) – أي باعة اللبن - في أي حتة مسَمعين» تحول على الشاشة إلى «أولاد السبكي مسَمعين في الدقي منورين» ولعلهم كأصحاب رأس مال «عيال حريفة» رفضوا أن يُصبح المقطع «أولاد السبكي (الجزارين) مسَمعين في الدقي منورين»... وفي رأيي أنه كان الحل الأفضل من حيث النظم والقافية والمغزى، والأكثر ملائمة للطريقة التي تُصنع بها الأفلام المصرية هذه الأيام!