كان العرض الأول من المخرج حسن الصيفي، الذي حرص على أن يعيدها لشاشة السينما في دور البطولة المطلقة، حتى لو لم يكن بالشكل الذي اعتاد عليه جمهورها، إلا أنها يمكن أن تكون خطوة أولى نحو مرحلة جديدة في حياة نعيمة السينمائية، فقدم لها فيلم «من أجل حنفي» الذي كان من المفترض أن يقدمه لها قبل ثلاثة أعوام باسم «الزوج المتشرد» ورفضت وقتها لأسباب تتعلق بزوجها الجديد. غير أن الصيفي أعاده إليها باسم «من أجل حنفي» قصة وسيناريو وحوار صبري عزت، ورغم أنه بطولة مطلقة لها، فإنها لم تكن محور الأحداث كممثلة.

Ad

  دارت الأحداث حول محمود أو «أبو حنفي» الذي يخرج من السجن بعد قضاء فترة عقوبته. يذهب إلى كباريه «هولا هوب» حيث علم من صديقته الراقصة «عزيزة» أن زوجته الراقصة السابقة «فطومة» التي طلبت الطلاق أثناء وجوده في السجن تزوجت من تاجر أرز ثري، فيقرر ابتزازها بابنهما الذي مات، في الوقت الذي يوهمها فيه بأنه لا يزال على قيد الحياة ويريد منها أن تنفق عليه. يتطور الأمر إلى أن يصل إلى زوجها الثري ويكسب ثقته، من ليكون قريباً منه ليدبر لقتله، وهو ما يكتشفه بالمصادفة أحمد خطيب ابنة الزوج الثري، غير أنه يقف عاجزاً لا يستطيع التصرف. من جراء ذلك، يصاب بحمى يدخل على إثرها في غيبوبة عدة أيام، وعندما يسترد وعيه، يكتشف أن المجرم «أبو حنفي» نفذ مخططه وقتل الزوج الثري، بل واحتجز ابنته لإرغامها على الزواج منه للحصول على ثروتها، فيتدخل أحمد في الوقت المناسب وينقذ خطيبته ويقدم المجرم للبوليس، وتبارك «فطومة» زواج أحمد وعايدة، وتعتبرهما بديلا عن ابنها الذي مات.

شارك نعيمة في بطولة الفيلم كل من أحمد رمزي، والفنانة زهرة العلا، زوجة المخرج، إضافة إلى الفنان حسين رياض، ونجوى فؤاد.

رقصة الوداع

في الوقت الذي كانت تصور فيه «من أجل حنفي» بدأت نعيمة تصوير فيلمها الثاني «أمير الدهاء»، بعدما اختارها الفنان فريد شوقي لتشاركه بطولة الفيلم المأخوذ عن رواية «الكونت دي مونت كريستو» للكاتب الكسندر دوما الأب، وكتب له السيناريو والحوار يوسف عيسى، وأخرجه هنري بركات، وهو الفيلم الذي سبق وقدمه الفنان الراحل أنور وجدي بعنوان «أمير الانتقام». يدور حول فكرة «الانتقام» حيث حسن الهلالي التاجر الشاب الناجح، والذي تتسبب غيرة أصدقائه في تدبير فخ له للزج به في السجن، فتسوقه الأقدار إلى رجل عجوز في السجن، يدله إلى طريق للهرب، وأيضاً إلى  مكان ثروته قبل أن يموت، فيهرب حسن ويحصل على الثروة، ويبدأ رحلة الانتقام بالحيلة والدهاء، من كل خصومه الذين كانوا سبباً في دخوله السجن، ليعيد فريد شوقي تقديمه دون تغيير سوى في الأبطال، وشاركهما محمود مرسي، وشويكار، وتوفيق الدقن، والمطربة شهرزاد، وأحمد لوكسر، ومحمود فرج.

قدمت نعيمة في الفيلم دور «الجارية زمردة» التي تجيد الرقص، ويشتريها حسن الهلالي من «سوق النخاسة» بعد الثراء، حيث تلفت الأنظار برقصها البارع، لكنه يقوم في اليوم التالي بإهدائها إلى صديقه التاجر القديم، أحد الثلاثة الذين أدخلوه السجن، كنوع من الحيلة، لتكون طعما للدخول معه في شراكة، وفي الوقت نفسه لتنقل لحسن أخبار هذا التاجر.

رقصت نعيمة كما لم ترقص منذ سنوات، كأنما تودع الرقص، كذلك برعت في أداء الدور بشكل أعادها إلى أذهان الجمهور، غير أنها وقبل أن تنتهي من تصوير دورها في «أمير الدهاء» عاودتها الآلام بشدة مرة أخرى، لكنها كانت هذه المرة أكثر قوة وأشد شراسة، فقد جاء الألم هذه المرة مصحوباً بنزيف حاد، فتم نقلها على الفور إلى المستشفى، غير أن التحاليل والأشعة أكدت خلوها من أي مرض عضوي، لكن حالتها تؤكد أن ثمة أمراً خطيراً غير ظاهر، حتى ساقت لها الأقدار الدكتور محمد أبو الفتوح، أستاذ جراحة الجهاز الهضمي، الذي وقَّع الكشف عليها، ثم أجرى جراحة حصل خلالها على عينة من الأمعاء، لتأتي نتيجة تحليلها صادمة له، قبل أن تكون صادمة لنعيمة وزوجها، وكل من حولها، فحاول أن يخص زوجها بحقيقة مرضها، على أن يخفي عنها نتيجة تحليل العينة، خوفاً عليها من صدمة قد تنهي حياتها قبل الآوان، لكنها أصرت على أن يصارحها بحقيقة مرضها. صمت الدكتور وحاول أن يهرب من نظرات عينيها، وبدت على وجهه علامات الألم والارتباك، إلا أنها لم تتركه إلا بعد أن وضح لها حقيقة مرضها:

= صدقوني أنا ما كنتش أحب أقف الموقف دا... لكن زي ما بتقولي أنت مؤمنة بالله وها تقدري الموقف... للأسف نتيجة التحليل إيجابية... وأثبتت أن في سرطان في الأمعاء.

مرض النهاية

سقط زوجها على الكرسي الذي يقف إلى جواره مذهولا لم ينطق.. فيما كانت الكلمة بمثابة طلقة رصاص اخترقت أذني نعيمة، لم تشعر بنفسها، عيناها مفتوحتان، لكنها غائبة عن الوعي، لم تدر من أين تأتي كل هذه الدموع ولا متى تنتهي، وبعد لحظات تنبهت لصوت الطبيب ينادي عليها:

= مدام نعيمة... مدام نعيمة

* يعني خلاص. هأموت يا دكتور. قدامي أد إيه. سنة... ست شهور... ولا شهر؟

= مدام نعيمة... الأعمار بيد الله... وأنت زي ما بتقولي ست مؤمنة بالله.. وأنا مش عايزك تفكري بالطريقة دي. وبعدين اطمنى الطب أتقدم جدا. وفي عمليات كتير اتعملت في ألمانيا ونجحت بنسب كبيرة جدا.

* ارجوك يا دكتور ممكن أقعد لوحدي شوية.

- خليني أنا معاك يا حبيبتي... أنا مش ممكن أسيبك.

* معلش يا حبيبي... سيبني شوية لوحدي... محتاجة أقعد مع نفسي شوية.

قضت نعيمة ليلتها في المستشفى، لم يغمض لها جفن، كما لم تجف دموعها، مر أمام عينيها شريط حياتها، منذ أن بدأت في الرابعة من عمرها في سيرك والدها سيد إسماعيل عاكف بمدينة طنطا، مروراً بكل محطات حياتها، وأيام الشقاء والدموع والجوع، إلى أن التقطها المخرج حسين فوزي، ليصنع نجوميتها بيديه، لتتحول بعد أقل من عامين إلى نجمة ملء السمع والبصر، ليمتزج الفن بالحب، ويصنعا أهم ما في تاريخهما، وجزءاً مهماً من تاريخ السينما المصرية، الأمر الذي تأكد تماماً بانفصالهما.

لم تهتم نعيمة بالنجومية أو الشهرة، لم تهتم بما يمكن أن يحدث لها، بل كل ما فكرت فيه هو ابنها الوحيد محمد، الذي لا يزال طفلاً، ولا يعرف شيئاً عن الدنيا وقسوتها. الطفل الذي عاشت تحلم به وتمنته، ويوم أن يتحقق الحلم، ويصبح حقيقة بين يديها، يحرمها منه القدر، وكيف سيعيش دونها ويحرم منها؟

في اليوم التالي، غادرت نعيمة المستشفى، بعدما وصف لها الأطباء الأدوية اللازمة، واتفقوا معها على أسلوب العلاج، واتجهت من فورها إلى البيت، تريد أن ترى محمد، تأخذه في أحضانها أطول فترة ممكنة، فهي لا تدري متى سيحين الأجل، خصوصاً أن الثقافة الشعبية، أو حتى في الأوساط الراقية، تؤكد أن من يصاب بهذا المرض اللعين، تصبح أيامه معدودة في الدنيا، فقررت ألا يفارقها محمد لحظة واحدة. حتى إنها تبقى لها عدة مشاهدة في فيلم «أمير الدهاء» فقررت أن تصحبه معها إلى الأستوديو بمرافقة مربيته، ليظل أمام عينيها طوال الوقت، وسط دهشة كل العاملين في الفيلم عن سبب اصطحابها ابنها، فهي حرصت على ألا يتسرب الخبر لأي من العاملين في الوسط، ومن خلاله ينتقل إلى الصحافة، إلا أن وجهها لم يستطع أن يخفي ما تحرص على ألا يعرفه أحد، فبدا في بعض المشاهد الأخيرة من الفيلمين شاحباً، قد تبدلت ملامح الفرح والابتسام، إلى وجه يكسوه الحزن، وعينين متورمتين من كثرة البكاء.

حزن واعتزال

انتهى تصوير الفيلمين «من أجل حنفي» و{أمير الدهاء» وعرضا في وقتين متقاربين، وعاد اسم نعيمة عاكف يتصدر ملصقات دور العرض السينمائي، وراحت الصحف والمجلات تكتب عن العودة القوية لـ{لهاليبو السينما المصرية». حتى إن البعض راح يتوقع ويقرأ الطالع، مؤكداً أن الفيلمين مقدمة لسلسلة جديدة من الأفلام ستنتجها نعيمة عاكف، وهو ما كان زوجها سبق وأشار إليه في تصريحات، لتسترد عرش التمثيل والاستعراض. غير أن هذا النجاح، وهذه الأخبار لم تكن لتسعد نعيمة أو تعيد إليها ابتسامتها وبهجتها، فالفتاة التي لم تكن تهدأ لحظة، ولم تكن تكف عن الضحك والشقاوة و{العفرتة»، في بيتها أو في الأستوديو، أو حتى عندما تمشي في الشارع مترجلة أو في سيارتها، الفتاة التي لم يخفها فقر أو جوع، والتي كانت تسخر من كل ما يصيبها أو يمر بحياتها، الفتاة التي ملأت الدنيا ضحكاً وبهجة، لم يعد الحزن يفارق وجهها، والدموع لا تجف من عينيها، ليس حزناً على انتهاء «نعيمة عاكف» الفنانة، التي ملأت الدنيا بفنها، من فنون السيرك والأكروبات والجمباز، إلى الغناء والرقص والاستعراض والتمثيل، فضياع ذلك كله لم يعد يهمها، بقدر أن يضيع منها حلمها، وأن يخطفها الموت من أملها الوحيد الذي تتمسك بالدنيا من أجله، وهو ابنها، بدليل أنها اتخذت قراراً ولم تبلغ به سوى زوجها:

= أنت عارفة أني المفروض أكون أسعد واحد بالقرار ده.. بس ليه؟

* أنت اللي بتسأل؟ كأنك مش عارف.

= قصدك علشان المرض.. بس دا مش مبرر كفاية.. خصوصاً أن الأطباء أكدوا أن المرض في بدايته وممكن جداً يتم محاصرته والسيطرة عليه، وأنه مانتشرش والحمد لله.

* وأنا مش هأستنى لما ده يحصل.

= ومين قال إنه هايحصل... إن شاء الله هايتم شفاك منه. وبعدين يا ستي في ناس كتير جداً عندهم المرض ده... وفي أماكن أخطر من كدا وبيشتغلوا بشكل طبيعي وعايشين حياتهم.

* وأنا عايزة اللي فاضل من حياتي يبقى لمحمد لوحده. مافيش حد يشاركه فيه. ممكن الناس تكون شبعت مني. ولما أختفي من قدامهم هايزعلوا شوية ويتأثروا شوية... لكن هايلاقوا غيري اللي يملا فراغي ويقدم لهم الفن اللي بيحبوه.. لكن لو اختفيت من حياة محمد.. مين ممكن يعوضه عني.. مين ممكن يملا الفراغ اللي ممكن أسيبه في حياته؟

= نعيمة ماتصعبيش المسألة على نفسك وعلينا.. ربنا خلق المرض وخلق العلاج.

* بس لسه مافيش علاج للمرض اللعين ده.

= لكن لسه رحمة ربنا موجودة.

اتخذت نعيمة قرارها باعتزال الفن نهائياً، لتجلس في بيتها لتتفرغ لرعاية ابنها الوحيد، حتى تشبع منه قبل أن تفارقه إلى الأبد. حتى إن عدداً من المنتجين عرض عليها الكثير من السيناريوهات لأفلام جديدة، إلا أنها لم تكن ترفضها بشكل مباشر، بل تقبل السيناريو وتطلب فرصة للقراءة، ثم ترفض بحجة أن العمل ليس مناسباً لها، وظن البعض أنها تتعمد ذلك لرفع أجرها الذي كان قد تراجع في أفلامها الأخيرة، فراح يرفعه حتى عاد إلى سابق ما كان عليه قبل التراجع، بل وزاد عليه. إلا أنها أيضاً كانت ترفض، حتى باتت هذه العادة من الأمور التي تجلب لها جزءاً من السعادة التي فقدتها، أن تعلم أن ثمة مخرجاً أو منتجاً لا يزال يتذكر نعيمة عاكف ويطلبها، وهي ترفض.

تقدير متأخر

كانت تذهب إلى المستشفى لتتلقى جرعة العلاج، وتمكث بالمستشفى يومين أو ثلاثة، ثم تعود إلى بيتها، تدخل إلى حجرتها، تتألم وتبكي، وتكتم صرختها وآلامها، حتى لا يسمعها زوجها أو ابنها، حتى تصادف وجود أحد الصحافيين بالمستشفى، فلمحها أثناء نقلها بعد جلسة العلاج إلى غرفتها:

= مش دي الفنانة نعيمة عاكف.

- أيوا هي.. صعبانة عليا أوي... ربنا يشفيها.

= هي عندها إيه؟

- الشر بره وبعيد عندها المرض الوحش... اللهم احفظنا

لم يمر أسبوع إلا وانتشر خبر مرض نعيمة عاكف في كل الصحف والمجلات، وبالتفاصيل التي لم تكن تتوقعها نعيمة، فكان يوماً عصيباً في حياتها. لم تنقطع الاتصالات الهاتفية، من الفنانين والمخرجين، ممن على علاقة وطيدة بها، ومن لم يلتق بها يوماً، فأصبحت نعيمة عاكف ومرضها، حديث الصحافة والوسط الفني، ما زاد من آلامها نفسياً، وشعرت بانهيار كامل في كل قواها، حتى إن مهاجمة المرض لجسدها زادت بشكل كبير، غير أنها كانت تحاول أن تقاومه وترفض أن تستسلم له، حتى جاء العام الجديد 1966، ليحمل لها بشرى جعلت الحياة تدب في شرايينها مجدداً، عندما زارت المستشفى للخضوع لجلسة العلاج:

= مدام نعيمة أنا كنت لسه هأتصل بيك دلوقت.

* أنا جاية في معادي يا دكتور.

= أنا عارف... أنا كنت هأتصل بيك علشان أقولك خبر جميل.

* خير يا دكتور في إيه.. وخبر إيه ده؟

= ألف مبروك.. كل الأشعة بتاعتك والتحاليل... وتحليل العينة وكل تفاصيل حالتك ومراحل العلاج... كنا بعتناهم ألمانيا.

* أيوا ما أنا عارفة الموضوع ده.

= لكن ماتعرفيش أن الرد وصل من شوية... اسمعي يا ستي بيقول إيه الرد: بعد الاطلاع على الأشعة وتحليل العينة... والوصف الدقيق للحالة.. نبلغكم بأنه يمكن إجراء جراحة لهذه المريضة... واستئصال الجزء المصاب بالورم السرطاني تماما... وخضوعها لجلسات علاج مكثف للتخلص من المرض نهائياً.

* أنت بتقول إيه يا دكتور؟ الكلام ده جاي من ألمانيا

= أيوا.. النهارده.. من شوية بقولك.

* أرجوك يا كتور.. ماتعشمنيش علشان ترفع من روحي المعنوية علشان جلسة العلاج.

= والله أبدا.. التلكس أهوه خدي اقريه بنفسك. بس دا مكتوب بالألماني

* انا مش مصدقة يا دكتور. يعني أنا ممكن أخف... ممكن أرجع تاني زي الأول... ممكن أعيش.

= أكيد إن شاء الله... وبيقولوا إن العملية دي حققت نسبة نجاح كبيرة في حالتك.. اللي المرض لسه في مرحلته التانية.

* أنا مش مصدقة نفسي. معقول! معقول يا دكتور؟

= مافيش حاجة بعيدة على ربنا يا مدام نعيمة.

* طب ممكن نسافر أمتى.. أنا جاهزة حتى لو من دلوقتي.. هأسافر زي ما أنا كده.

= لا دلوقتي إيه... المستشفى بتقول إنهم حجزوا لك معاد العملية يوم تسعتاشر أبريل اللي جاي... وإحنا هأنسافر يوم حداشر علشان التحضير للعملية.

* يااااه... لسه هاستنى شهرين بحالهم.

= هانت يا مدام نعيمة... الأيام بتجري بسرعة.

* ماهو ده اللي مخوفني.

عادت نعيمة كأنما ولدت من جديد، وقد بث الأمل روحا جديدة في جسدها، فعادت الابتسامة إلى شفتيها، وعادت البهجة إلى حياتها، بعد أن تجدد أملها في النجاة، وما زاد من سعادتها وإحساسها باقتراب تحقيق الأمل، ذلك الخبر الذي قرأه زوجها عليها في جريدة «الأهرام»:

* خبر إيه؟

= رئاسة الجمهورية صرحت بأنه تقرر أنك تسافري تتعالجي وتعملي العملية على نفقة الدولة.

* معقول؟! فين الخبر ده.

= أهو خدي أقري بنفسك.

* يااااه... دلوقت بس حسيت بأن اللي عملته مارحش ع الفاضي... ده تقدير كبير من الدولة ومن الرئيس عبد الناصر.

كان مقرراً أن تسافر نعيمة يوم 11 أبريل، غير أنها، ورغم التحسن الكبير في حالتها النفسية، هاجمها المرض بضراوة يوم 6 أبريل، ونزفت بشكل مخيف لأول مرة، فتم نقلها على الفور إلى المستشفى، ووضعت في غرفة الرعاية المركزة، وتم إيقاف النزيف، غير أن الأطباء قرروا التبكير بالسفر، وعمل الاستعدادات اللازمة لنقلها في هذه الحالة، لكن نعيمة سبقت الجميع بتنفيذ قرار القدر، لتصعد روحها إلى بارئها صباح الثامن من أبريل 1966، لترحل قبل أن تكمل عامها السادس والثلاثين، وتشيع جنازتها في اليوم الذي قرر الأطباء أن تسافر فيه، رحلت وهي تنطق بكلمة واحدة رددتها ثلاث مرات ثم سكتت إلى الأبد: محمد... محمد... محمد.  

خرج جثمان نعيمة من بيتها كما أوصت، وسط جماهير غفيرة التفت حول البيت منذ الصباح الباكر، وعدد كبير من الفنانين ومحبيها، فيما وقفت كوكب الشرق السيدة أم كلثوم في شرفة منزلها... تلوح للجثمان بمنديلها.. لم تستطع أن تسيطر على دموعها، لتكون في وداع فنانة أحبتها، كما أحبها الملايين.

رحلت «لهاليبو السينما المصرية» بعدما نالت مجدا وشهرة عظيمين، لتنتهي حياتها بالعذاب والشقاء مثلما بدأت، وما بينهما رحلة قصيرة لم تزد على 18 عاماً، حاولت خلالها أن تسعد الملايين بكل فن استطاعت أن تقدمه، ولم يكن وهجها وتألقها، إلا زيادة في احتراق شعلتها... حتى انطفأت تماماً، لكن ما قدمته سيظل باقيا ما بقي الفن... والسينما المصرية.

النهاية
ماهر زهدي