يعرف الجميع أن مجموعة من يهود العراق قدمت إلى الكويت في فترة مبكرة يمكن تقديرها في حدود منتصف القرن التاسع عشر، ويدل على ذلك وجود مبايعات موثقة بوثائق عدسانية تشير إلى استقرارهم في الكويت. ولا ينكر أحد أن هذه المجموعات القليلة كان لها دور تجاري مهم في الكويت، حيث عملت في التجارة، وكان لها سوق عرف اسمه بسوق اليهود في منطقة الأسواق بوسط مدينة الكويت. وقد نشر الدكتور يوسف علي المطيري كتاباً رائعاً عنوانه "تاريخ اليهود في الخليج"، كما جمع الأستاذ حمزة عليان الكثير من المعلومات عنهم وعن حياتهم في كتابه الجميل "اليهود في الكويت وقائع وأحداث". ويتطرق الكتابان إلى العديد من المعلومات عن أسباب نزوحهم إلى الكويت، ونشاطاتهم التجارية، ومساهماتهم المجتمعية، وصورهم النادرة وغير ذلك. وقد عثرت على وثائق نادرة لليهود في الكويت أظنها لم تنشر مسبقاً، وأحببت أن أشارك القراء الكرام في المعلومات التي وردت في هذه الوثائق. ففي وثيقة بتاريخ 9 ذوالقعدة سنة 1336هـ الموافق 16 أغسطس 1918م كتب الشيخ سالم المبارك أمير الكويت في تلك الفترة كتاباً إلى نائب المعتمد البريطاني في الكويت يبلغه فيها أنه تم القبض على صالح ساسون محلب اليهودي بناء على طلب المعتمد، وأنه رهن الحجز إلى حين وصول تعليمات بخصوصه. يقول الشيخ سالم في كتابه:

Ad

"من سالم المبارك الصباح حاكم الكويت الى حضرة حميد الشيم الافخم المحب العزيز لفتننت مكلم نائب البولتكل اجنت الدولة البهية القيصرية الانكليزية بالكويت دام محروسا،،

بعد السلام والسوال عن خاطركم دمتم بخير وسرور يد الوداد اخذة كتابكم المؤرخ 14 اوكست 1918 وبه ذكرتم ان حضرة القنصل قبطن بي جي لاك قد طلب من جنابكم حتى تكتبون لنا منطرف صالح ساسون محلب اليهودي ان نقبض عليه ونخليه في الحبس الى ان يصير مبالاغاة من حضرة المحب المشار اليه معنا فبحسب مطلبكم فورا قبضنا على المذكور وضعناه تحت المحافضة وبتاريخه قدم لنا عرضحال يسترحم محاكمته بالذنب الذي اوجب تحيره وهذا نقل العرضحال الذي قدمه لنا تجدوها بطيه حرفيا تشرفون عيه مسرورين الخاطر ونرجوكم الافادة هذا ما لزم ودمتم محروسين 9 ذو القعدة 1336هـ".  

ويتضح من رسالة الشيخ سالم أن طلب إلقاء القبض على محلب جاء من قبل الوكيل البريطاني السياسي في الكويت، الذي كان خارج الكويت في تلك الفترة، ويتضح أيضا أن الرسالة لم تشر إلى الأسباب أو التفاصيل التي دعت إلى طلب اعتقال محلب. وقد امتثل الشيخ سالم للطلب البريطاني، إلا أن محلب كان مصدوماً بسبب ما حدث، وهو التاجر المعروف ويملك أول مصنع ثلج في الكويت، لذلك كتب كتاباً يطلب فيه معرفة أسباب القبض عليه، ويوضح فيه الضرر البالغ الذي يصيبه بسبب حجزه، ونقل الشيخ سالم نسخة من الكتاب للمعتمدية البريطانية، وطلب منها أن تفيده بالسرعة اللازمة بما يجب القيام به تجاه محلب. في المقال المقبل سأعرض كتاب محلب، وسأقدم لكم تفاصيل نهاية القصة إن شاء الله.