بقراءة متأنية لواقعنا العربي ندرك أننا في حلقة مفرغة، وكأن كل ما يدور حولنا وبين جدراننا هو رد فعل لصفعة قوية جعلتنا نفقد توازننا في معالجة أمورنا بكل صورها في الوقت الذي يحتم علينا أن تكون ردة فعلنا صموداً وتحدياً، خصوصاً ونحن ندرك أن مطامع تجزئة الوطن هي في صلب حالة الفوضى العامة.
الظاهرة التي فرضت نفسها ومنذ سنوات ليست بعيدة، هي التشرذم بطوائف ليس لها أي رؤية ولا منهج يصعد بالأمة إلى مصاف الأمم المتقدمة، بل الأرجح فيما نرى ونسمع أنها تتشدد بتفكير عقيم لا مكان له في عصر التقنيات.ونرى هذه الظواهر الغريبة على الأمة تحاول أن تلغي تاريخاً مجيداً وآثاراً تروي مجدها وتعمل على إزالته بتدمير منظم يوحي بأنها خطوة أولى في برنامج لمسح ما تبقى ملموساً من حضارات سادت في مناطق بلادنا العربية.قد يرى البعض أن البلاد العربية بعد استقلالها وتحررها من الاستعمار "التقليدي" قد حققت بعض طموحاتها في مسيرتها، وهي ترسل شعارات البناء والتطور والتباهي بماضٍ مجيد لم يكن لها فضل فيه، ولزمت مكانها دون الاستفادة منه، كما فعلت أوروبا في عصر النهضة حين درست تاريخها، وأحيت تراثها الذي بنت عليه حضارتها، وصنعت إنساناً بنى على كل ما وقع تحت يديه، في حين الأمة العربية تمعن في الاجترار والتباهي بما صنع غيرها دون إدراك أنه لا قيمة لإنسان يأكل مما يزرعه الآخرون، ويلبس مما ينسجه الآخرون.قد يرى البعض أيضاً أنه ما عاد للحديث عن الانتماء إلى "أمة عربية" بصورتها الجميلة تلك الجذوة، وهو يرى بعضها يمعن في "الأنا" وأسقط "نحن" التي صهرتها عبر التاريخ في بوتقة الانتماء، فصورة الأمة اليوم تشوهت في قلب الإنسان العربي الذي سحقته الشعارات، وأطبق عليه الفساد وأرهقته متطلبات الحياة العصرية بعد أن انفتح عليه العالم أو انفتح هو عليه.الماضي ليس كله جميلاً، وهذه حقيقة، فكثير منه كان كوارث بأيدي أبناء الأمة، وأصاب قسطاً كبيراً من تراثها بمعتقدات لا تمتّ إلى الحياة الاجتماعية أو العقائدية بأي صلة، بل ساعدت بعض الفاسدين على الوصول إلى مبتغاهم لتغيير ملامحها، فلم تعد للأمة قضية واحدة تجتمع فيها على رأي! ولم يعد للأمة من يتحدث باسمها بقوة صوت الجميع! وضاعت الأمنيات في مهب الريح، وإن سكنت في فترات قبل أن تهب العاصفة ليعيد المتربصون جولتهم في الانقضاض عليها، وهو ما نسمعه ونشاهده من حروب وتهجير هللت له وسائل الإعلام الأجنبية برسائل خبيثة!يسأل الإنسان العربي: إلى متى سيبقى الوضع على ما هو عليه من معاناة تحت ستار مسميات مستجدة تحمل في ظاهرها إنسانية ناعمة وفي باطنها ناراً محرقة؟الإنسان العربي لم يعد هو ذاك الغافل أو "المُستـَغـَفل"، فهو يدرك كل ما يمس حياته ويجتهد في أن يحقق انتصاراً على قوى الشر التي تحيط به في الداخل والخارج، إلا أن يده مغلولة بعد أن أصابه الإحباط رغم كل مظاهر التمرد التي تم تجفيف منابعها، وفرضت واقعاً جديداً لزمن قد يطول في انتظار معجزة في زمن لا معجزات فيه، بل هو زمن عقل وفعل يصنع التغيير.* كاتب فلسطيني - كندا
مقالات - اضافات
زمن العقل والفعل!
26-09-2015