ثلاثة أعوام مضت تعرّض فيها الحراك لضغوط كثيرة وصعبة، ولكن رغم هذا لم يكن من بين هذه الضغوط سبب واحد أدى إلى منع أطراف الحراك من تنظيم أنفسهم! وخلق شكل مقبول من وحدة الأهداف والخطوات، كل الشواهد تؤكد أن الحراك خلق تشرذمه ذاتياً، وتكفل حصرياً بخنق عنق زجاجة أهدافه وبنجاح يحسد عليه، والشواهد ذاتها مستعدة أن تشهد أيضاً بأن دم الحراك المهدور تفرق بين حركات الحراك السياسية برموزها ونشطائها ومغرديها.

Ad

طوال ثلاث سنوات لم تصغْ المعارضة صوتاً واحداً في مواجهة «الصوت الواحد» هدفها الأول المعلن، وثلاث سنوات لم يصنع الحراك جناحاً استراتيجياً واحداً لخطة واضحة تتجاوز به سقف الاختلاف وتحلق به في فضاء الاتفاق، القرار الأوحد كان مفقوداً، بل من المضحكات المبكيات أنه كان قراراً دكتاتورياً يحامي عن أسوار الديمقراطية، قراراً يتخذ في الغرف المغلقة، بعيداً عن مشاورة الأغلبية من منتمي الحراك الذين كانوا دائماً كالزوج المخدوع آخر من يعلم! كان قراراً أعمى يقودُ حلماً بصيراً لا أبا لكم... قد ضلَّ من كانت العميان تهديه!

ثلاث سنوات ضاع فيها رجال المعارضة وشبابها «في الرجلين» وسط مستنقعات القرارات الارتجالية لأولياء أمر الحراك، ضاعوا فمنهم من قضى سجنه ومنهم من ينتظر حكمه، ومنهم من فقد الأمل وما زال يبحث عنه في حواري حوارات المعارضة البيزنطية، ومنهم من كبّر عليه أربعاً ودفنه في تغريدة «هاشتاق» ما كفشّة خلق! ثلاث سنوات تشرذمية صار فيها «زوير» يقود الحراك بإصبعه البنصر ويحركه برمش عينه، وصار «عوير» ينظر ويستقرئ ويرسم للحراك مسارات المستقبل، ثلاث سنوات صار فيها الرموز يتكلمون بالرموز والطلاسم، والنشطاء يرمون أدوات الضغط الشعبية وراء ظهورهم ويتفرغون «كضغيطة» محترفين لبعضهم بعضاً في دوري الـ»تويتر».

ثلاث سنوات ملخصها وضع مؤسف أكد أن المقاطعة الوحيدة التي نجح فيها الحراك كانت «مقاطعته» لذاته، والمؤسف أكثر أنه أكد أيضاً أن «الصوت الواحد» الذي حاربته المعارضة انتخابياً كان الدواء الوحيد لها تنظيمياً، لأنه سينجح في علاج مرض «الصوت الوايد» و«الوايد» جداً الذي عاناه الحراك المتشرذم ولا يزال!