يطرح كتاب "ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين" الصادر حديثاً في القاهرة لمؤلفه عبدالجليل عيسى، قضية الخلاف بين المسلمين، بسبب المسائل الفقهية، عبر صفحات الكتاب الذي يقسم إلى سبعة عشر فصلا.
يقول المؤلف في مقدمة الكتاب إنه كان في أمسية عام 1962، حيث كان يجلس مع جمع من إخوانه العلماء بمنزل فضيلة الشيخ أحمد حسن الباقوري (وزير الأوقاف الأسبق)، وإذا بصديق لهم يدخل ثائرًا، وقبل أن يجلس سأل عن تشييع الجنازة ودار الخلاف حولها، فتدخل حينذاك فضيلة الشيخ الباقوري في الحديث وقال لهذا الصديق: إن هناك أمورًا تعد من الخلاف فيها أدعى إلى الغرابة من الخلاف في تشييع الجنائز، ذلك الخلاف في الأذان للصلاة، الذي من نشأته أن يكون في مكان مرتفع وبصوت عالٍ يسمعه مَن في المسجد وخارجه حتى النساء في البيوت، والسامعون مأمورون بأن يحكوه ويقولوا كما يقول المؤذن، ومع ذلك يقول المالكية إن التكبير في أول الأذان مرتان فقط، ويقول الشافعية بل لابد من أن يكون التكبير أربعا وإلا بطل ووجبت إعادته، لأنه شعيرة من شعائره التي تجب المحافظة عليها. وقال مؤلف الكتاب إنه أدرك عند ذلك أن الأمر خطير، وأن الكلام فيه لا يكون ارتجالا، بل لابد من الرجوع إلى مبدأ الشريعة في مثل هذه الموضوعات، وزاد أن طلبَ مهلةً يبحث فيها الموضوع، عكف فيها على قراءة كتب المتقدمين والمتأخرين سواء كانت تفسيرًا أو حديثًا أو فقهًا لفقهاء الصدر الأول وما بعده، وسواء أكانوا فقهاء المشرق أم المغرب، وبعد هذا كله تبيّن للمؤلف أن الدين بخير -كما قال- وأن العيب ما جاء إلا من المتأخرين الذين استسهلوا الاختصار والإيجاز المخل، فتشابه الأمر عليهم.
ويستعرض الكتاب الخلافات بين المسلمين، التي أدت إلى انشقاق الأمة بل واقتتالها الناتج عن تكفير كل مخالف للرأي واستباحة دمه، في حين أن أئمة المذاهب الأربعة كان اختلافهم إثراء للإسلام وليس انشقاقا، فقد فهموا معنى الاختلاف البناء، ولم يتجاوز أحدهم على الآخر أو حتى يسيء إليه باللفظ مع اختلافهم في مسائل كثيرة.
وأرجع الكاتب ذلك إلى الأسباب الآتية: الغفلة عن أمر الرسول (ص) وتحذيره من التشدد في الدين، والحث على التيسير على الناس وعدم التحري في الظروف التي صدر بها أمر الرسول (ص)، وهل المراد منها التشريع أو يخص بعض الناس أو الظروف وغفلة كثير من العلماء عن أن الرسول (ص) كثيراً ما كان يجيب السائل أو يأمر الرجل بما يناسب حاله وقد لا يناسب غيره... وما هذا إلا نتاج تعويد طالب العلم ألا يطلع إلا على مذهب واحد تاركاً غيره، وربما أكسبه ذلك نفوراً وإنكاراً للمذاهب الأخرى ، فالإسلام ما وجد مفرقاً بل مجمعاً: "وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ" (آل عمران: 103).