الخطوة الأولى في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي هي الاعتراف بخطأ سياسة الانفراد بالقرار وما ترتب على ذلك من نتائج، ثم تهيئة الأجواء العامة لمشاركة الجميع في الحياة السياسية، وذلك من خلال إصدار عفو عام غير مشروط عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي وإرجاع «الجناسي» التي سُحبت لأسباب سياسية.

Ad

لم يعد الحديث عن التراجع العام مقتصرا على المتخصصين أو المهتمين بالشأن السياسي والعام، بل أصبح حديث العامة سواء في الدواوين أو في الجلسات الخاصة ومواقع العمل، حيث إن معظم الناس وبالذات جيل الشباب بات يدرك أن الهامش المحدود من الانفراج الديمقراطي الذي وفره الدستور، رغم عيوبه، في تراجع منذ أن انفردت الحكومة في تعديل قانون الانتخابات العامة، كما أن هامش الحريات العامة أخذ يتقلص شيئا فشيئا، إذ إن ترسانة القوانين المقيدة للحريات التي أقرتها الحكومة في الآونة الأخيرة تزيد من تقييد الفضاء العام، وتؤدي إلى موت السياسة.

 لقد أعلنت الحكومة ذاتها فشل ما يُسمى "خطة تنمية"، واعترف كبار المسؤولين الحكوميين علناً بتفشي الفساد في أجهزة الدولة ومؤسساتها، كما أن الميزانية العامة للدولة تعاني عجزاً فعلياً نتيجة احتكار الثروة وسوء إدارة التصرف في الموارد العامة، بالإضافة إلى فساد المنظومة السياسية الناتج عن احتكار سلطة اتخاذ القرارات وصياغة السياسات العامة، فضلا عن سوء خدمات التعليم ومخرجاته، وسوء الخدمات الصحية والإسكانية والاجتماعية، وارتفاع معدل البطالة، وغلاء المعيشة والتضخم النقدي اللذين يلتهمان رواتب صغار الموظفين.

 أما الاصطفافات الفئوية والطائفية فحدّث ولا حرج، إذ وصل الأمر إلى درجة أن بعض طلبة الجامعة والتطبيقي أضحوا يتباهون علنا بانحيازهم إلى هوياتهم الثانوية (القبلية والطائفية والعائلية) على حساب الهوية الوطنية الجامعة. وبالنسبة إلى اقتصادنا الوطني فما زال اقتصادا ريعيا يعتمد بشكل كبير جدا على الإيرادات النفطية التي انخفضت في الفترة الأخيرة نتيجة انخفاض أسعار النفط التي تتحكم فيها عوامل خارجية ليس لنا أي قدرة على التأثير فيها.

وإذا ما أضفنا إلى كل ما سبق، الظروف الإقليمية الملتهبة والنوايا العدوانية لإيران التي فضحها اكتشاف "خلية العبدلي"، فإنه لا مخرج لنا من هذا الوضع السيئ على المستويين الداخلي والخارجي إلا عن طريق الإصلاح السياسي والديمقراطي الجدي والشامل، وهو ما سبق أن ذكرناه مرارا وتكرارا، وذلك كي لا نظل ندور في حلقة مُفرغة أنهكت الناس والوطن وفتّتت النسيج الوطني.

 الخطوة الأولى في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي هي الاعتراف بخطأ سياسة الانفراد بالقرار وما ترتب على ذلك من نتائج، ثم تهيئة الأجواء العامة لمشاركة الجميع في الحياة السياسية، وذلك من خلال إصدار عفو عام غير مشروط عن السجناء السياسيين وسجناء الرأي وإرجاع "الجناسي" التي سُحبت لأسباب سياسية، على أن يترافق مع ذلك تنظيم العمل السياسي والعام على أسس مدنية ديمقراطية، بحيث تُحظر المجاميع القبلية والطائفية والعنصرية التي أدت ممارساتها وشعاراتها الرجعية والمُتخلّفة إلى تشويه العمل السياسي والعام، ثم وضع نظام انتخابي متطور وعادل متوافق عليه وطنيا بحيث تجرى بناء عليه انتخابات عامة جديدة، تُعيد الصراع السياسي إلى مجراه الطبيعي.