هكذا تقوم الدول... وهكذا تنهار!
الولاء الوطني والتلاحم الشعبي هما اللذان يجعلان الشعوب تلتف حول دولها وقياداتها عند الملمات، في تلك اللحظات التي قد يشمل التهديد فيها كامل وجود الأرض بمؤسساتها ومبانيها وشوارعها، ولنا في تاريخ الكويت نفسها عبرة صارخة في الأمس القريب.
لا شيء أخطر على كيان أي دولة ومؤسساتها من أن يفقد مواطنوها ثقتهم بها، وأن تستمر مع ذلك سادرة فيما تفعله غير مكترثة بهم. تتمثل الخطورة هنا في أن المواطن سينتقل مع مرور الوقت ومع استمرار التجاهل له، من حالة عدم الثقة بالدولة إلى حالة "الكفر" بمصداقيتها عموماً، وسيكون الولاء للدولة، بل ربما الولاء للوطن ككل في النظرة الأبعد، حينئذ في مأزق، فالوطن -كمصطلح- عندما نحلله إلى معانيه الفكرية ودلالاته النفسية، لا يقتصر على، ولا يعني أبداً، مجرد تلك الأشياء المكانية من أرض ومبان وشوارع وما شابه، بل هو قبلها الحياة البشرية التي ارتبطت بهذه الأشياء وتفاعلاتها البينية، أي بين الناس نحو البناء والإعمار وإسعاد بعضهم لبعض.عندما أقول إن الكويت وطني، فليس المراد أبداً أن الأرض والمباني والشوارع والجمادات التي فيها هي الوطن الذي أعني، بل ما أريده هو ذاك المركب الحي المتفاعل الذي تخلق في وجداني بناء على حياتي على تلك الأرض والمباني والشوارع، والأهم من ذلك أنها تلك الحياة الكريمة التي عشتها بصحبة أهلي وجيراني وزملائي وسائر أبناء وطني، تحت مظلة أمن وأمان أفترض أن تكون قد رعته قيادة رشيدة وحكومة مسؤولة تصدرت لتتكفل بحماية مصالحنا والسهر على راحتنا.
المثل الشعبي يقول "البلد اللي ما فيها ناس ما تنداس"، وهذا كلام صحيح جدا، فأي بلد في صميمه ليس سوى الناس ونواتج حياتهم مع بعضهم في تلك البقعة من الأرض، ولذلك فعندما يضج الناس بالشكوى مطالبين بالإصلاح والعدل ولا تكترث الدولة مع ذلك بهم ولا تأخذهم بجدية، بل تزيد فتقصقص أجنحة المؤسسة التشريعية الرقابية جاعلة إياها عديمة الفاعلية، وتهدد حرية التعبير، وتزيد من التضييق عليهم، فإنهم حينها، ومع فقدانهم للمتطلبات الأساسية للمعيشة الكريمة، إن لم يصلوا إلى مرحلة الغليان والانفجار، كما رأيناه يحصل في كثير من الدول في السنوات الأخيرة، والتي لكل منها ظروفها وملابساتها بطبيعة الحال، فإنهم سيصلون حتماً إلى الكفر بمؤسسة الدولة ومسؤوليها، ولن يدينوا لها بالولاء الحقيقي، وسيفقدون في المحصلة شعورهم الوطني الذي يمكن أن يعول عليه. ودولة لا يدين لها شعبها بالولاء المتماسك الذي يمكن الركون إليه عند اشتداد النوائب والملمات، ليست سوى كيان شكلي هش ركيك آيل للانهيار والسقوط عند أي محك حقيقي، مهما كان بيد هذا الكيان من المال، فما بالكم وكل المال إلى زوال؟!الولاء الوطني والتلاحم الشعبي هما اللذان يجعلان الشعوب تلتف حول دولها وقياداتها عند الملمات، في تلك اللحظات التي قد يشمل التهديد فيها كامل وجود الأرض بمؤسساتها ومبانيها وشوارعها، ولنا في تاريخ الكويت نفسها عبرة صارخة في الأمس القريب. وفي المقابل فإن هذا الولاء والتلاحم ليسا إلا شجرة تنمو وتكبر بحسن قيادة الدولة وضبط إدارتها ومعالجة الإهمال والتردي في كل نواحيها بلا هوادة، وقمع الفساد والأخذ على يد الفاسدين بصرامة، ويشتد عود الشجرة فيصير أقوى بصادق الالتفات لاحتياجات الشعب ورعاية متطلباته، والسهر على راحته وتنمية الروابط الداخلية بين فئاته، لا اللعب على أوتار فرقته وهتك نسيجه، وهذا كله يتطلب العمل الصادق والبذل الحقيقي لا الشعارات الرنانة والمانشيتات الصحافية الفارغة والمسرحيات الإعلامية حول الإنجازات المختلقة.هكذا تماماً وبكل تجريد تقوم الدول، وهكذا تهتز فتتردى وتنهار، فعلى أي درب نحن سائرون يا ترى؟ نظرة بسيطة إلى الواقع كفيلة بأن تعطينا الإجابة.