فيلم الشهادات المضروبة طويل وفي نهاية مفتوحة يفسرها كل مشاهد وفق فهمه وتصوره، لأن مُخرج هذا الفيلم من الذكاء الذي يستحق عليه درجة الدكتوراه الفخرية، نعم هناك المخلصون ممن يتصدون لهذا الفساد التعليمي بين فترة وأخرى، إلا أن البعض يثير الموضوع لمقاصد ومآرب خاصة، ولهذا تتبخر القضية فجأة كما تفجرت فجأة.

الشهادات المضروبة لا تعني فقط درجة الدكتوراه التي تثور عاصفتها حالياً، رغم أن الدكتوراه القيمة العلمية تعني قمة الفساد التعليمي، فالشهادات المضروبة تشمل الثانوية العامة والبكالوريوس والماجستير أيضاً، وقد انتشرت بشكل واسع خلال العقدين الماضيين، وسبق أن أثرنا هذا الموضوع في مجلس 2003 وحذرنا وقتها بأن عدد هذه الشهادات الوهمية قد يصل إلى 80 ألف درجة في مختلف التخصصات المهمة كالطب وطب الأسنان والمحاسبة والحقوق وإدارة الأعمال والهندسة، وتم تقديم العديد من الدلائل والمستندات بما فيها المكاتب التي تبيع هذه الشهادات إلى رئيس مجلس الوزراء في مجلس 2009، دون أن يحرك ساكناً.

Ad

المعلومات التي تتناولها وسائل التواصل الاجتماعي سواءً حول الجامعة أو الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب أو من مكتب وزير التربية، بالتأكيد بحاجة إلى رصد وتحقيق وغربلة ضمن إطار معياري ثابت، كما يجب أن تراجع آلاف الشهادات التي انهالت في فترة زمنية متقاربة ومن دول محددة لمعرفة الغث من السمين والحقيقة من الوهم.

أما استهداف أشخاص على رأس مؤسسات تعليمية وتحميلهم مسؤولية هذه الفوضى فإنه لا يحل المشكلة، بل من السهولة تفسيره في إطار الخصومة الشخصية أو صراع المصالح، ولهذا كان من باب الشجاعة واستخدام الأدوات الدستورية للنواب الذين تبنوا هذا الموضوع مواجهة مجلس الوزراء مباشرة لأنه مُخرج هذا الفيلم الماراثوني.

الكثير من التعيينات في المناصب القيادية صدرت من مجلس الوزراء مباشرة، وتحوم حول شاغليها الريبة والشك الأكاديميين اللذين يلاحقان منتسبي مؤسسات التعليم العالي، ومن بين هؤلاء وزراء ووكلاء وزارات ووكلاء مساعدون ومديرون لهيئات مستقلة وملحقة تم تعيينهم بمراسيم صادرة عن الحكومة مجتمعة، وذات الشك يلاحق حتى أعضاء في مجالس الأمة المتعاقبة، بل في أهم أجهزة الدولة المهمة والحساسة، الأمنية منها والمهنية ذات التخصصات النادرة، انتهاءً بالجهات القانونية والإدارية العليا المختلفة.

الثقة بالحكومة صارت مهزوزة أيضاً في تشكيل اللجان الخاصة بهذا الشأن، لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ولذا فإن لجنة مستقلة أكاديمية وقانونية ونزيهة في شهادات أعضائها أنفسهم قد تكون مخرجاً منطقياً ومقبولاً لتمحيص هذه الشبهات وتدقيقها، إلا أن الحكومة لا ولن ترضى بذلك دون ضغط حقيقي من البرلمان والرأي العام الكويتي، وهذا الواجب الوطني والأخلاقي والشرعي يتحمله أعضاء مجلس الأمة مسؤولية بالكامل.

هذا المجلس الخارق الذي يسن تشريعات جديدة بسرعة الضوء ولا تستغرق سوى 48 ساعة يفترض أن يكون قادراً على التصدي لمثل هذا التحدي الذي اختلط فيه الحابل بالنابل والحق بالباطل، لكن السؤال: هل هذا الأمر يحتل أولوية في ضمائر بعض النواب وأجندتهم البرلمانية التي أوشكت على النهاية؟!

يجب أن نؤيد كل جهد مخلص للتصدي للمزورين أياً كان موقعهم، لكن هذه الجهود الفردية لا يمكن أن تخلق جبهة وطنية تقاتل في هذا الميدان، فالقضية هي شبيهة بمعركة، فإذا كانت الحروب تدمر حاضر الأمم فإن الشهادات الوهمية والمضروبة ستدمر مستقبل هذه الأمم، أما في الكويت ومع كل الأسف والأسى فتحول التعليم إلى أداة لتدمير واقعنا ومستقبلنا معاً، وتحويلنا إلى ديرة مضروبة!