لعبة الحب!

نشر في 03-09-2015
آخر تحديث 03-09-2015 | 00:01
 مسفر الدوسري من الأخطاء الفادحة التي نرتكبها في علاقاتنا الإنسانية على اختلافها وفي العلاقات العاطفية على وجه الخصوص أننا نحدد ماهية العلاقة أولاً ومن ثم نحدد أفعالنا وسلوكياتنا وتوقعاتنا على أساسها! بينما يفترض بنا أن نتبع العكس تماماً، وأن ندع علاقاتنا الإنسانية ترسم ملامحها بذاتها بناء على ما ينشأ بيننا وبين الآخر من أفعال ومواقف وتصرفات، هذه الأفعال والمواقف بين الناس مع مرور الوقت هي التي تضع الخطوط الرئيسية لشكل العلاقات وترسم إطارها وآفاقها، وتراكم التجارب الحياتية التي تتكون بين طرفين هو الذي يختار اسم العلاقة بينهما ويحدد طبيعتها وماهيتها، وليس العكس!

أغلب العلاقات العاطفية في واقعنا تصبح كارثية ويؤول مصيرها للفشل بسبب هذا الخطأ الفادح، نحدد منذ الوهلة الأولى أن الذي يربطنا في هذا الآخر هو الحب، دون أن نعرف فعلاً إن كان هذا الآخر على مقاس أحلامنا في الحب أم لا، ودون حتى أن نتيقن من أن لديه من ماء المشاعر ما يروي ظمأ أرواحنا، وأن لديه من الصفات ما يجعلنا نستأمن قلوبنا بين يديه.

نسمي ذلك تباهياً الحب من أول نظرة، وتحت راية هذا الحب نرحل محملين بقوافل الآمال والأمنيات في صحراء التيه متبعين نداء غامضا وحادي عيس غير موثوق، سمعته مثيرة للجدل، وسيرته تحوي المتناقضات، يسير بنا في متاهات الليل، ويعبر بنا أودية المجهول، ويقودنا خلال مفازات الوجع، والطرق الشائكة، والممرات الموحشة، والمنحدرات الخطرة، دون أن تنتابنا ريبة أو يساورنا سوء ظن، أو تسري في أوصالنا عتمة الاحتمالات، نسير خلفه مسلمين مسالمين، يقابل جمر أسئلتنا بثلج الصمت، أو ببرد الابتسامات المواربة، ونتابع المسير خلفه طائعين، ولمشيئته خاضعين!

ننام في العراء كثيراً، وقليلا ما وجدنا ما يمنح زرقة أطرافنا قطعة دفء، تصبح لهاتنا ورقاً جافاً أصفر حتى نكاد نموت من العطش، وتتقرح أقدامنا من مشقة الدرب وطول المسير، ونحتمل.. نضع على قلوبنا صخرة بثقل الصبر ونربطهما جيدا معا حتى لا تفر من بين أضلعنا.. ونحتمل، نحلب ثدي السراب.. ونحتمل، نشاهدنا طيوراً نافقة على الطريق.. ونحتمل، نحتمل لأننا موعودون بجنّة الحب التي سنخلد فيها والتي سيقودنا إليها حادينا..

إلا أن حادينا هذا غالباً ما يهوي بنا إلى الجحيم بدلاً من الجنة المنتظرة.

غالباً ما تفضي رحلته الطويلة والشاقة إلى الألم، وتنتهي أمنيات قلوبنا إلى الجمر، لا شيء في نهاية المسير خلف حادينا سوى رصيد لا يفنى من الحزن، هذا لأننا سمينا الأشياء قبل أن نعرفها، وحددنا العلاقات قبل أن نختبرها، وهيأنا قلوبنا عروشاً لأناس لم نأخذ سابقاً مقاسات رؤوسهم لنتأكد من أنها على مقاس تاج الحب الذي سنضعه عليها!

نقبض الخذلان لأن رهاننا كان خاسراً، ولأننا قامرنا متّكلين على حسن نوايا الحظ معنا!

الإشكالية الكبرى هي أن الحب دوناً عن كل العلاقات الإنسانية الأخرى، ليس سوى مغامرة كبرى ورهان أسود ولعبة قمار إما أن نخسر فيها عمراً أو نربح عمراً بقيمة الخُلد.

لذا يفترض بنا أن نقرأ حظوظنا جيداً قبل أن نحرق أعمارنا في لعبة القمار هذه، أما كيف نفعل ذلك فالإجابة هي من خلال القراءة الجيدة للطرف الآخر الذي نختاره ليشاركنا "لعبة الحب"!

back to top