الرمادي تصنع نموذجاً يثير غضب طهران ويعزز رؤية واشنطن
السنة والشيعة احتفلا معاً لأول مرة بتحرير مركز الأنبار
لم يحتفل المجتمع السني في العراق بنصر على «داعش» طوال سنة ونصف السنة من المواجهات التي كانت تبدو نصراً شيعياً أو كردياً ضد مجاميع إرهابية، ولم تنجح بغداد أو أربيل في تسويق الانتصارات كحدث وطني، لكن العملية البطيئة جداً في الرمادي مركز محافظة الأنبار، سمحت للمجتمعين السني والشيعي بالاحتفال معاً لأول مرة، لأن الجيش كممثل للدولة هو الذي أنجز كل شيء بالتنسيق المثالي والمكثف كما وصفه الخبراء، مع التحالف الدولي الذي أراد صناعة نموذج جديد من المعارك يمهد لسياسة جديدة في المدن السنية غرب العراق.وبعد تحرير تكريت، مسقط رأس صدام حسين في أبريل الماضي، أصبحنا نمتلك نموذجاً لأول مدينة سنية كبيرة تتخلص من تنظيم «داعش» في العراق، لكنه لم يكن نموذجاً تفضله واشنطن، لأنه جاء بتصميم إيراني خالص تقريباً للمعارك وللإدارة السياسية بعد الحرب، ورغم أن التحالف الدولي ساهم بنحو حاسم في قطع إمدادات العدو، فإن الفصائل المقربة من طهران هي التي تتولى منذ ذلك اليوم، التحكم بكل شيء أمني وإداري تقريباً، ولم تستطع بغداد ولا الحكومة المحلية السنية في تكريت خوض مواجهة مع الفصائل، وفضلت تأجيل الحديث عن الموضوع ريثما تخرج البلاد من مآزق متعددة محلية، ونفوذ متزايد للمحور الروسي- الإيراني الذي يهدد مباشرة حكومة حيدر العبادي وحلفاءه الموصوفين بأنهم قوى الاعتدال الشيعي، مقابل حلف نوري المالكي رئيس الحكومة السابق المصطف مع الميليشيات وطهران.
وحاولت الفصائل المتشددة يومذاك أن تندفع في اتجاه الرمادي، ووعدت مراراً بتحريرها، في عيد الفطر ثم في الأضحى، لكن التحالف الدولي لم يقدم الغطاء الجوي المطلوب، وتحدث بوضوح عن انسحاب الفصائل كشرط لتوفير المساعدة الحاسمة جواً وأرضاً وتسليحاً وفي المعلومات الاستخباراتية. وحصل شد وجذب على مدى شهور، وثار المتشددون في وجه العبادي الذي بدأ يتفاهم على عجل مع الكتل السياسية المرنة المقربة من النجف، مما أنتج موقفاً شيعياً متماسكاً حتى الآن، مفاده: حتى لو غضبت طهران، فإن الحشد لن يدخل مدينة غير راغبة فيه، ومن مصلحة الجميع مساندة الجيش النظامي وتقويته وكسب الدعم الدولي له. ولم تكن واشنطن تفكر في الحرب كعملية عسكرية، فالجميع يعلم أن من يحرر الرمادي سيتحكم في مستقبل إدارتها، وإدارة الحدود الشاسعة مع سورية والأردن والسعودية، كما أن نموذج الرمادي سيصمم نموذج الموصل في المستقبل كمدينة أكبر وأخطر.لذلك بقيت واشنطن تضغط على بغداد لكي يمتلك الجيش الحكومي وحده زمام المبادرة، وهذا ما أثار حفيظة حلفاء طهران الذين لم يشاركوا العراقيين في الاحتفال بتحرير الرمادي رغم بيانات بعض الفصائل التي حملت تهنئة خجولة.والمواجهة لا تنتهي بين طهران وواشنطن، بل إنها تدخل فصلاً جديداً الآن، إذ يريد أنصار إيران أن يحاسَب السنة المعارضون ويُمنَعوا من المساهمة في تكوين إدارة محلية جديدة ستحصل على صلاحيات أكبر تحصن تلك المنطقة من أي تأثير أمني وسياسي لحلفاء حرس الثورة الإيراني، مستندة إلى قاعدة عسكرية كبيرة قرب بحيرة الحبانية يبدو أنها ستكون دائمة تحت غطاء الاستشارة والدعم.وستكون هذه القاعدة بمثابة حماية دائمة للنموذج الجديد، في الإدارة السياسية والأمنية، وسيجري اختبار ردود فعل بغداد المنقسمة، كما يجري اختبار قدرة القوى السنية على صناعة حد أدنى من التوافق ينتج مرجعية للسياسة والإدارة، وسيثير هذا اهتماماً واسعاً لأن نجاحه سيعني نواة تسوية داخلية تفتح الطريق نحو الموصل وكل المنطقة السنية في العراق، التي لا تقول إنها منخرطة في جهد انفصالي، لكنها تطالب بصيغة دستورية لشبه حكم ذاتي، مستندة إلى نصوص قانونية وإدارية كثيرة، هي محل خلاف لن يهدأ بالتأكيد.