دونما شك، تعد أسواق المباركية أحد الأسواق التراثية في الكويت التي باتت محط أنظار الجميع من مواطنين ومقيمين وسياح، وأصبحت مقصداً معروفاً لكل زائر للكويت. وعلى هذا الأساس اهتمت بلدية الكويت بتطويرها لتكون مركزاً حيوياً تراثياً، ولكن شتان ما بين الرؤى والواقع.
رغم التطور العمراني المطرد الذي شهدته دولة الكويت والتوسع عمودياً وأفقياً، والذي طغى على أبرز معالمها، فإن المسؤولين المعنيين في البلاد حرصوا على إبقاء أحد أهم معالم كويت الأمس حاضراً وماثلاً امامنا كشاهد على ماضينا ألا وهي أسواق المباركية التي تعد عصب السوق الكويتي القديم، وفيها يقع مكتب حاكم الكويت آنذاك والمعروف شعبياً باسم «كشك مبارك». وتقع أسواق المباركية في منطقة القبلة، وهو في المجمل سوق تراثي مكون من مجموعة من الأسواق الصغيرة مثل سوق التمور وسوق الغربللي وسوق السلاح وسوق الخضار وسوق السمك، وسمي باسمه نسبة إلى الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت ومؤسس نهضتها.وبعيداً عن السردية المتعلقة برمزية ومعنى هذا السوق ومكانه في وجدان الكويتيين يتبدى للمراقب ببساطة مدى البون الشاسع بين الحلم والرؤية، أو الصورة المثالية عن السوق وبين ما يرزح تحته من سلبيات ومثالب لا تليق بمعلم كويتي أصيل على هذا المستوى.جالت «الجريدة» في أروقة السوق لسبر الصورة الحقيقية التي يبدو عليها السوق، حيث قال صلاح بوشهري إنه أحد مرتادي هذا السوق منذ كان عمره 10 سنوات، حيث كان يزوره مع والده الذي كان لديه محل في سوق السلاح، وهو أحد الأسواق الموجودة في «المباركية»، مضيفاً أن الجهة المسؤولة عن السوق جرحت الطابع التراثي الذي كان يتميز به السوق قبل أن يتم تحديث الأسواق.وأكد بوشهري ضرورة تطبيق القانون على كل تاجر يقوم بتغيير طبيعة عمل السوق، إذ من المعتاد في أسواق المباركية تميز كل سوق ببيع أصناف معينة، فسوق التمور فقط يبيع التمور، أما اليوم فإننا نجد أدوات كهربائية تباع في ذلك السوق، وسوق السلاح كان لبيع السلاح وما شابه ذلك ولكن تغير نشاط السوق كلياً ليصبح سوقاً للعطور .وأوضح بوشهري أن السوق «ومع التغيير الذي طرأ عليه، لكنه يحكي عبق التراث وذكرى الماضي الذي بات معدوماً في الكويت»على حسب قوله».النظافةمن جانبه، قال أحمد المحفوظ إن السوق يفتقد إلى الكثير من الأمور، منها النظافة التي باتت شبه غائبة خصوصاً عندما يرمي أصحاب المحلات مخلفاتهم أثناء وجود مرتادي السوق، لافتاً إلى ضرورة أن توفر البلدية مكتباً لها في السوق ووضع مراقبين فيه على مدار الساعة بغية ضمان نظافة السوق الذي أصبح واجهة سياحية لكل من يزور الكويت.وأضاف المحفوظ: «سمعنا عن نية الحكومة تطوير أسواق المباركية، ولم نر من هذا التطوير إلا «سقف» الأسواق ومنع دخول السيارات، وهذا أمر جيد لكن التطوير ليس فقط بمنع دخول السيارات، فنحن باعتبارنا من مرتادي السوق من جيل الشباب عندما نقارن بين صور السوق في الماضي والسوق حالياً نجده مختلفاً بالكامل، أي أن التطوير أعدم التراث العمراني وتراث تلك الأسواق من خلال تداخل الأسواق بعضها ببعض».ولفت إلى ضرورة فرض المسؤول على تطوير تلك الأسواق قوانين ولوائح لكل تجار السوق بوجوب بالالتزام بالروح العمرانية للسوق، وعدم وضع ديكورات حديثة تطمس التراث اوتجعل السوق خارج ثوب سوق المباركية القديم.المسؤول هو التاجرأما فهد القلاف الذي وجه لوماً شديدا للمسؤولين عن تطوير السوق فاعتبر أن «المصيبة الكبيرة تحدث عندما يكون المسؤول هو التاجر، فقد كان إيجار تلك المحلات بسيطاً جداً ولا يوجد خلو «قفلية» لبيع تلك المحلات ، وإن وجد فهو لايتجاوز بضع آلاف بسيطة، لكن مع إعلان تطوير الأسواق فقد ارتفعت تلك الإيجارات وكذلك «القفليات» لتصل إلى 100 ألف دينار لمحل لاتتجاوز مساحته 18 متراً.ودعا القلاف المسؤولين إلى وقف التلاعب بهذ السوق، «حيث كان سوقاً تراثياً يحضره كل من يعشق التراث، لكن مع إعلان تطويره فقد اختلف السوق، وحلاوة السوق وروحه قد أُطمسا مع التحديث، وفتحت محلات لا تمت للسوق بأي صلة، موضحاً أن التطوير الذي تحدثوا عنه اقتصر على مظلات، وإقفال شوارع واضاءات جانبية فقط لاغير، متناسين طريقة عمل أصحاب المحلات في طمس التراث عن طريق الديكورات ونشاط بيع تلك المحلات.وأوضح أن السوق يفتقد إلى الكثير، وعلى سبيل المثال «بعد أن أصبح السوق واجهة سياحية، على حد قول المسؤولين، لا نرى وجود نقطة أمنية داخل السوق، واقتصر التواجد الأمني بوجود دوريات المرور لمخالفة المارة فقط لاغير، مؤكداً أن سوق المباركية بات يطمس يوماً بعد يوم، بحجة التطوير الذي يتكلمون عنه ونسمع به ولا نراه.وأشار القلاف إلى أن السوق يفتقد لأبسط الأمور وهي البنية التحتية المهمة حيث لا توجد دورات مياه مؤهلة للعائلات، ولا وحدة طبية متنقلة داخل السوق، كما أن منع السيارات من دخول السوق أصبح عائقاً كبيراً خصوصاً أنه لا توجد مواقف سيارات للسوق، وكبار السن بات مستحيلاً أن يجولوا في السوق.برفقة الأحفادمن جانبها، قالت إحدى مرتادات السوق آمنة الراشد، إنها كانت تأتي إلى هذا السوق مع والدها قبل 40 عاماً مضت، واليوم تاتي للسوق برفقه أحفادها، مشيرة إلى أن هناك أموراً بقيت كحالها لم تتغير، وهناك باعة مازالوا موجودين. وأضافت الراشد أن سوق المباركية يذكرها بالكويت قديماً فطبيعة الناس الموجودة في السوق وبساطتهم وأيضاً طبيعة تداخل الأسواق وعدم العبث بالمباني الموجودة في السوق هي الجوهر التي أعطت للسوق بريقاً تراثياً لامعاً، وجعلته محط أنظار الجميع سواء مواطنون أو مقيمون أو من السياح.وأضافت الراشد أن احفادها اليوم يسألونها هل مازالت أسواق المباركية حاليا كأسواق المباركية قديماً؟ ، فترد عليهم : نعم مازالت هي، ولكن مع تغيير بسيط حيث إن التطور غير نسبة بسيطة من طبيعة السوق سواء الشكل العام للسوق أو طبيعة نشاط بعض المحلات.الصبيح : حرصنا على إبقاء الروح التراثيةقال المدير العام لبلدية الكويت المهندس أحمد الصبيح لـ«الجريدة» إن بلدية الكويت دأبت على تطوير أسواق المباركية بطريقة لا تجرح بها التراث الكويتي الأصيل الذي كان موجوداً في السوق من الأصل، حيث عملنا على تغطية بعض الشوارع الرئيسية بالسوق مثل شارع الغربللي وشارع الصرافين ومنع دخول السيارات إليهما، وبعض الشوارع المتفرعة من تلك الشوارع.وأضاف الصبيح أن البلدية حرصت على توفير الجو التراثي الذي كان يتميز به السوق منذ القدم، فهناك مراحل أخرى لتطوير السوق لم نبدأ بها إلى الآن، مؤكداً أن البلدية ممثلة باللجنة المكلفة تطوير أسواق المباركية ستتولى توحيد إعلانات المحلات بطريقة ترجع هيبة السوق التراثية، إضافة إلى أمور أخرى كثيرة سيراها كل مرتادي السوق قريباً. وأوضح أن بلدية الكويت قررت الاستمرار في تطوير تلك الاسواق وعلى مرحلتين مقبلتين، حيث ستكون المرحلة الأولى من المشروع تعنى بتخصيص مواقع للخدمات الحيوية وإقامة نقطة أمنية في السوق علاوة على عمل لوحات ارشادية تدل على تاريخ إنشاء السوق التراثي وستبدأ هذه المرحلة فوراً. وذكر أن المرحلة الثانية من الخطة تشمل طرح المشروع على أحد المكاتب الاستشارية العالمية بغية تطوير منطقة السوق ونقل جميع خدماتها ووضعها تحت الأرض مع توفير مواقف للسيارات، مشيراً إلى أن اللجنة العليا للتخطيط ستبحث على الفور اصدار القرار المنظم لتطوير السوق، في حين ستشمل دراسة المستشار العالمي للمشروع التكلفة الفعلية مع الجدول الزمني لتنفيذه.معلم تراثي بتصاميم مميزةيقع سوق المباركية في منطقة القبلة وهو سوق تراثي وسمي نسبة إلى الشيخ مبارك الصباح، ويتميز السوق بتصميمه الذي يشبه الأسواق القديمة وهو من المعالم التراثية لدولة الكويت.ويزخر السوق بأنواع وفيرة من اللحوم والاسماك والمواد الغذائية والاستهلاكية والحلويات الشعبية والتمور والعسل ومحلات العطارة والملبوسات الرجالية والنسائية، إضافة إلى مجموعة من محلات الاكسسوارات والسلع التراثية والتحف والخزفيات والتذكارات وكلها بأسعار مناسبة كما يوجد به سوق لبيع وشراء المصوغات الذهبية والمجوهرات.كما يوجد داخل السوق العديد من المقاهي الشعبية والاستراحات والمطاعم صممت على طراز القديم وتقدم مأكولات ومشروبات شعبية.
تحقيقات ودراسات
أسواق المباركية... «إعدام» التراث بالإهمال
25-07-2015