مفتي مسلمي أرتيريا الشيخ الأمين عثمان الأمين لـ الجريدة.: إذا لم ينتبه المسلمون لآفة المذهبية فسيصبحون أسرى للتاريخ
«بلادنا نموذج حي للتعايش وحسن الجوار والتعاون بين أتباع مختلف الأديان»
أكد الشيخ الأمين عثمان الأمين مفتي مسلمي أرتيريا، أن المذهبية والمقيتة هما من أخطر المشاكل التي تواجه المسلمين اليوم، وأوضح في حوار مع "الجريدة" خلال زيارته الأخيرة للقاهرة، أن الاختلاف بين أهل السنة والشيعة قديم، فالآراء معروفة، ومواضع الاختلاف محددة، وما نلحظه من تصعيد للخلاف، وتوسيع لدائرة النزاع يقوده متطرفو الجهتين، ولا يستفيد من هذا الصراع سوى أعداء الإسلام الذين يؤججون نيران الفتنة... وإلى نص الحوار.
• صف لنا العلاقة بين مسلمي أرتيريا والأغلبية المسيحية التي تحكم البلاد؟- منذ تشرفت أرتيريا بنزول الصحابة على أرضها دخل الإسلام إليها، ثم انتشر على أيدي دعاة مخلصين، وشيوخ صالحين، ومنذ احتضن النجاشي الصحابة الكرام نشأت علاقة حسن جوار، وألفة وتعاون وتكاتف بين المسيحيين والمسلمين في أرتيريا، وكم حاول المستعمرون الذين تناوبوا على احتلال أرتيريا تمزيق وحدة الأرتريين، وتشتيت شملهم دينياً وقبائلياً ومناطقياً، لكن كل محاولاتهم باءت بالفشل حتى وفق الله الشعب الأرتري لتحرير بلاده من الاستعمار بعد نضال دام ثلاثين عاماً، مما يجعل أرتيريا النموذج الحي للتعايش وحسن الجوار والتعاون بين أتباع مختلف الأديان.• متى تصبح التعددية المذهبية عائقا أمام مسلمي اليوم؟- مما يؤسف له حقاً أن تتحول التعددية عموماً إلى أدوات للتشتت والتمزيق، ومنبع للشرور والكراهية والأحقاد، وسلاح للتعصب والتطرف والمؤامرات، وأتون لإشعال الحروب والنزاعات وسفك الدماء، فنيت بسببها البشرية ومازالت تفنى، ولاشك أن الذي يؤجج العصبيات الدينية والمذهبية والقومية في كل زمان ومكان، قد يكون ممن غرس التعصب في نفسه، وتغلغل التطرف في فكره، يعيش في شقاء وقلق دائم، لا يهدأ له بال ولا يستقر له حال، إلا إذا رأى النزاعات ثائرة هنا والخلافات مستعرة هناك، وما إن تسنح فرصة للتفاهم والتحاور بين الناس، ويلاحظ التقارب بين الأفكار والقيم العامة، يسعى لوأد هذا التلاقي في مهده. وهنا يبرز دور الإسلام حيث تميز منذ بزوغ فجره بمعالجة قضايا التعددية بأنواعها المختلفة، بوضع أسس متينة قضت على سلبيات التعددية، لا في النظريات والنصوص فحسب، بل في واقع ملموس معاش، حيث صهر أتباعه الذين كانوا من شتى القبائل والانتماءات في بوتقة التوحيد، وتعايش مع الديانات الأخرى في غاية من التفاهم والتقارب، حتى ضرب المسلمون مثالاً حياً يحتذى به في إمكانية التعايش بين جميع البشر على أساس من العدل والتفاهم والتعاون.• برأيك ما الاختلافات الجوهرية بين المذهبين السني والشيعي التي تثار ما بين الحين والآخر؟- الاختلاف بين أهل السنة والشيعة قديم وليس وليد الساعة، فالآراء معروفة، ومواضع الاختلاف محددة، وقد عاش المسلمون قرونا طويلة بسنتهم وشيعتهم إخوة متحابين متعاونين، ولعب الأزهر الشريف، بالتعاون مع علماء شيعة، دوراً كبيراً في التقريب بين المذهبين بدءاً من عهد الشيخ عبدالمجيد سليم، والشيخ مصطفى المراغي، وانتهاء بالعلاقة المشهورة التي جمعت بين الشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد تقي القمي-رحمهم الله جميعاً- وقد حدد الإمام الأكبر منطلق دعوة التقريب بقوله: "وليست الدعوة إلى تقريب المذاهب الإسلامية، دعوة إلى إلغاء مذهب على حساب آخر، لكنها دعوة إلى تنقية المذاهب من الشوائب التي أثارتها العصبيات والنعرات الطائفية وأذكتها العقلية الشعوبية"، وإن ما يجمع بين السنة والشيعة أكثر مما يفرق بينهم، والحوار يجب أن يكون للتقريب لا للاندماج، والانطلاق يكون من مواضع الاتفاق، وما أكثرها، ومواضع الاختلاف أيضاً قابلة للحوار، إذا توافرت النوايا الحسنة، والتجرد من الأهواء، مع مراعاة أدب الحوار، بعيداً عن التشكيك والظن، والتبديع والتكفير، إلا أننا في هذا العصر نلاحظ تصعيداً للخلاف يقوده المتطرفون من الجهتين، والسواد الأعظم من المسلمين يستنكر هذا التناحر، ويتألم له الغيارى، ولا يستفيد من هذا التجاذب سوى أعداء الإسلام الذين يؤججون نيران الفتنة والصراع.• ما المخرج من المذهبية المقيتة؟- ينبغي على العلماء الحكماء، أمناء الشريعة، وورثة الأنبياء، ألا يتركوا لهؤلاء المتطرفين زمام قيادة الأمة، وتحديد وجهتها، وتقرير مصيرها، فالأمر جد خطير، يتطلب من العلماء القيام بواجبهم، والتصدي للتكفيريين من كل الفرق، وتنبيه الأمة على المؤامرات التي تحاك ضدها من الأعداء، وإلا فسيكونون أسرى للتاريخ، بل يأخذون من الماضي العبر والعظات، ويتطلعون إلى غد أفضل، من أجل مصلحة الإسلام، ومستقبل الأجيال القادمة، لتعيش في حب ووئام، ومودة واحترام، تحت ظلال الإسلام والسلام، وأنه مما يمزق القلوب، ويفتت الأكباد، أن يحدث كل ذلك في هذا العصر الذي يوصف بالتقدم في جميع مجالات العلم، واحترام حقوق الإنسان، والتقارب بين الأمم والشعوب بأن يتخذ المتطرفون الطائفية تكأة لانتهاك الحرمات والمقدسات، فكم من دماء طاهرة بريئة سفكت، وكم من أسر شردت، ومساجد حرقت، وأضرحة ومقامات لآل البيت الأطهار، والصحابة الكرام –رضي الله عنهم– هدمت، كما حدث ويحدث في العراق الذي على أرضه تلاقت الحضارات وتعايشت، حتى أصبح مناراً للعلم والثقافة.