ليلة القبض على الوزير

Ad

تناقلت الفضائيات ليلة السابع من سبتمبر الجاري الخبر والصور التي التقطت لوزير الزراعة المصري د. صلاح هلال لحظة القبض عليه، عقب تقديم استقالته وقبولها في تهم بالفساد تناولت الوزير ومعاونيه، لتورطهم في واقعة الرشوة الكبرى المتهم فيها عدد من مسؤولي وزارة الزراعة بطلب بعض الهدايا وأخذ الأشياء العينية، وطلب بعض العقارات من أحد المتهمين مقابل تقنين إجراءات مساحة أرض قدرها ألفان وخمسمئة فدان في وادي النطرون، وهي القضية التي تحمل رقم 673 لسنة 2015 حصر أمن دولة عليا، والتي أعلنها منذ أيام قليلة النائب العام المساعد وأصدر قرارا بحظر النشر فيها.

وأصدرت النيابة العامة قرارا بحبس الوزير السابق وباقي المتهمين على ذمة التحقيقات التي تجري في هذه القضية،

وتناقل الإعلام الرسمي الممثل في الصحف القومية واتحاد الإذاعة والتلفزيون والإعلام غير الرسمي دور هيئة الرقابة الإدارية، وهي هيئة مستقلة ملحقة برئيس مجلس الوزراء، تناولا دور هذه الهيئة في هذه القضية من خلال تقصي وقائعها وجميع الأدلة فيها، دون تردد أو خوف أو وجل من وزير في سدة الحكم.

والحق يقال أن هيئة الرقابة الإدارية قد أعادت للدولة هيبتها التي فقدتها منذ أن تزواج المال بالسلطة في عهد الرئيس محمد حسني مبارك، والفساد الذي أصبح مقننا في هذا العهد، ولكن كانت هناك صدمة للمجتمع المدني في رمز من رموزه.

الفخراني ونضال ضد الفساد

فقد حملت عناوين الصحف القومية في مصر فضلا عن صحف الإعلام غير الرسمي العنوان الرئيسي لها في أولى صفحاتها يوم الثلاثاء الماضي "حبس وزير الزراعة ومدير مكتبه وآخرين في قضية رشوة، ولا يوجد مسؤول فوق القانون والقيادة السياسية تدعم دور الرقابة الإدارية".

وتحت هذه العناوين، كان الخبر الأكثر إثارة: والنيابة تتحفظ على النائب السابق حمدي الفخراني. حيث أمر المستشار زكريا عبد العزيز عثمان النائب العام المساعد بالتحفظ على النائب السابق ورئيس جمعية مكافحة الفساد حمدي الفخراني داخل مستشفى "أم المصريين" عقب إصابته بنوبة سكر خلال التحقيقات التي تجريها نيابة جنوب الجيزة، بعد القبض عليه في واقعة رشوة للتنازل عن دعوى قضائية ببطلان بيع أرض شركة النيل لحلج الأقطان.

وكانت صدمة قاسية للجميع، فهو الرجل الذي أقام عدة دعاوى ببطلان بيع الأراضي والشركات التي كانت الدولة تملكها قبل خصخصة القطاع العام، كما أقام دعوى إبطال عقد "بالم هيلز" الذي أضاع على الدولة أكثر من 150 مليار جنيه، واستطاع استرداد شركة طنطا للكتان، وشركة غزل شبين، وشركة المراجل البخارية، التي كانت قد خُصخصت، وتسببت الخصخصة في إهدار مئات الملايين من الجنيهات وتشريد آلاف العمال، وعاد العمال إلى شركاتهم.

واستطاع استرداد الشركة العربية للتجارة الخارجية التي بيعت بـ13 مليون جنيه للمشتري الذي كان مدينا للشركة بـ7 ملايين جنيه، كما استطاع من خلال القضية التي أقامها لإبطال عقد مدينتي أن يرغم الشركة التي اشترت الأرض من الدولة، وأن تقرر للدولة حصة في هذا المشروع الضخم.

وهو أحد المواطنين الذين رفعوا دعوى بطلان عقد منجم السكري الذي عقده وزير البترول سامح فهمي مع شركة سنتامين الأسترالية، والذي قضت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة ببطلانه، بعد خسائر قدرت بملايين الدولارات.

هل تأكل الثورة أبناءها؟

فقد كانت صدمة المجتمع المدني كبيرة في هذا الرمز من رموزه، فهو رئيس جمعية مكافحة الفساد، وهي جمعية مشهرة وخاضعة لرقابة وزارة التضامن الاجتماعي، وهو الرجل الذي وقف ضد الفساد في عهد مبارك، وكان أحد حملة مشاعل ثورة 25 يناير وثورة التصحيح في 30 يونيو، وكاد أن يفقد حياته في فترة حكم مرسي، عندما تعرض لضرب مبرح من أعضاء "جماعة الإخوان"، نقل على إثره إلى المستشفى بين الحياة والموت.

وهو عضو اتحاد الثورات العربية، أم أن الرجل وقع ضحية مؤامرة دبرها له بعض رجال الأعمال من الذين أضيروا من الدعاوى التي رفعها هذا الرجل أمام القضاء أو من غيرهم من رجال الأعمال المتورطين في قضايا فساد؟ بعد أن نجحوا في عهد الرئيس السابق عدلي منصور في استصدار مرسوم بقانون بتعديل قانون المرافعات المدنية لمنع أفراد المجتمع المدني من إقامة أي دعوى ببطلان عقد من العقود التي أبرمتها الدولة، وأن يقتصر هذا الحق على من يكون له مصلحة شخصية مباشرة.

هل هي رسالة إلى المجتمع المدني؟

عندما يفتح الإعلام الرسمي وغير الرسمي النيران على الرجل الرمز الذي يشهد له تاريخه بنضاله ضد الفساد وضد تزواج المال بالسلطة، في اللحظة ذاتها التي كشفت فيه هيئة الرقابة الإدارية عن قضية الفساد في وزارة الزراعة، فهل هي رسالة إلى المجتمع المدني بأن الدولة بأجهزتها الرقابية قادرة وحدها على كشف مواطن الفساد والضرب بيد من حديد على كل من تسوّل له نفسه نهب المال العام أو الإضرار به، وأن على المجتمع المدني أن يترك هذه القضايا لهذه الأجهزة؟ أم أن الرسالة تريد أن تهدم الرموز؟ فكلنا لصوص.

ولا يجد الرجل الرمز من يدافع عنه، فالكل قد صدق القصة والرواية، التي انتشرت بين الناس كالنار في الهشيم، والمتهم بريء حتى تثبت إدانته.