لا يمكن لجنس أدبي وحيد أن يشكل حالة ثقافية ونموا ثقافيا في أي مجتمع، إذ ليس بإمكان المسرح وحيدا أو الشعر أو السينما أو أي جنس أدبي آخر أن يعمل بمعزل عن الأجناس الأخرى، ويشكل حالة ثقافية في مجتمع ما.

Ad

الرواية اليوم تعمل وحيدة بعيدا عن غيرها لتساهم في خلق جو ثقافي عربي، ولكنها لن تستطيع أن تفعل ذلك وحدها. ما يحدث اليوم في الخليج تحديدا هو استسهال الكتابة الروائية والتعامل معها كحكاية أو "حدوتة" يستطيع الكاتب الناشئ والغر أحيانا أن يقتحهما.

يساعد في ذلك الناشر الذي وجد في مجموعة من الطموحين عناصر إثراء سريع ومؤقت. تصدر هذه الأعمال وتختفي في السنة ذاتها من دون أن تترك أثرا سوى هذا الانتشار المريب بين أوساط الشباب.

ويشتكي أغلب الكتاب من اقتحام هذه الكتابات المؤقتة للعمل الروائي وينادون بالحد منها، ولكنهم في المقابل يساهمون بطريقة أو أخرى في مساعدة هؤلاء على الكتابة. وانتشرت الورش التعليمية، والتي تدعي بأنها تستطيع صناعة روائي في خمسة أيام، ويشرف عليها روائيون وهم يعلمون استحالة ذلك. وهم أنفسهم لم يحضروا ورشة كتابة في الرواية ليصبحوا روائيين.

الذين خلقوا لنا هذا الجو الروائي هم مجموعة من المواهب الحقيقية اعتمدوا على موهبة وقراءات عربية وعالمية، وذلك جيد ولكنه لا يكفي. نحن بحاجة الى اكتمال عقد المشهد الثقافي، وذلك يتطلب أن تدخل الأجناس الأدبية دائرة المنافسة، وأن نقوم بتشجيع الشباب الذين يطمحون الى نقد جيد ومسرح جيد وسينما جيده وأغنية جيدة.

فالطريق لخلق ثقافة متكاملة ليس عملا سهلا ولن يكون. لدينا مواهب سينمائية في الإخراج تعاني من ضيق اليد ولا تجد مؤسسة مالية خاصة أو حكومية تساعدها في إنتاج مشاريعها، ولدينا قدرات في الكتابة المسرحية ابتعدت عن الساحة، علينا أن نعمل على دعمها وإعادتها.

العمل الفني العربي النوعي هو أكثر ما نحتاج اليه في وقتنا الذي نعيشه وسط هذه الأزمات التي تحيط بنا. هناك شعور بالإحباط يلازم الأغلبية الموهوبة لانحسار الأضواء عنها مقابل الرديء الذي نحتفي به إعلاميا وشعبيا، وهو شعور يفضل فيه المبدع الحقيقي أن ينزوي دون أن يشعر به أحد أو يسأل عنه.

التكامل في العمل الثقافي العربي مطلب مهم، فليس بمقدور السينما في الخليج مثلا أن تعمل دون التجربة المصرية، وكذلك بقية الفنون التي تشكل وعي هذا الجيل، كما شكلت وعينا السابق. ما نعانيه من ركود ثقافي وانحطاط، إذا أسمينا الأشياء بأسمائها، هو ما يجعلنا نعيش حالتين لا ثالث لهما. أما المعسكر المتشدد الذي يعمل على إعادتنا الى الماضي أو معسكر التردي الذي أهان المسرح والسينما والأغنية والتلفزيون أيضا.

بالتأكيد هناك أمل وأمل كبير أيضا أن نعمل جميعا على إحياء حياتنا الثقافية التي تتراجع، وما نحتاج إليه هو الخطوة الأولى. نحتاج أن تؤمن المؤسسة الثقافية بدورها وينجح رأس المال بدخول المغامرة في صناعة ثقافة حقيقية. فكما نجحت الرواية وحيدة في إعادة ثقتنا بالقارئ النوعي ستنجح بقية الفنون في إعادة ثقتنا بجمهور واع.