لمَ يُعَد تجنيد تركيا لمحاربة «داعش» فكرة سيئة؟
من المؤكد أن تركيا كانت ستجدد على الأرجح حملتها ضد حزب العمال الكردستاني، حتى لو لم تشجع واشنطن تدخلها في الحملة ضد «داعش»، ولا تستطيع واشنطن في هذه المرحلة القيام بالكثير بغية وقف تفاقم الصراع التركي-الكردي.
أعلنت تركيا في مطلع الأسبوع الماضي أنها تستعد لإطلاق عمليات جوية "شاملة"، بالتعاون مع الولايات المتحدة، ضد مقاتلي "داعش" في شمال سورية، ولا شك أن هذا الإعلان يشكل خبراً ترحب به إدارة أوباما، التي دخلت حملتها لدحر "داعش" وإنزال الهزيمة به سنتها الثانية، لكن تقاسم العبء هذا يحمل كلفة عالية بالإضافة إلى الفوائد.أصر أوباما، منذ تسلمه منصبه، أن على حلفاء الولايات المتحدة، عقب حربَي العراق وأفغانستان، تحمل المزيد من الأعباء في معالجة التحديات الأمنية الدولية الجديدة والمستمرة. وفي الحملة ضد "داعش" رفضت الإدارة الأميركية نشر الجنود الأميركيين على الأرض، وبدلاً من ذلك اقتصرت مناورات الجيش الأميركي على شن ضربات جوية ضد أهداف "داعش" في دعم القوات المحلية على الأرض في العراق وسورية، وفي الوقت عينه ضغطت الإدارة على الحلفاء المحليين، وخصوصاً تركيا، بغية لعب دور أكثر فاعلية في هذا الصراع.
تحمل مقاربة الإدارة هذه بعض الفوائد، ولعل أكثرها أهمية أنها تبقي الجنود الأميركيين بعيداً عن الأذى، وبهذه الطريقة تحمي هذه المقاربة مسألة الحرب من الانتقاد الشعبي الحاد الذي يرافق دوماً التضحية بأرواح الأميركيين، كذلك يشير مؤيدوها إلى أن إلقاء مسؤولية أكبر على عاتق الحلفاء الإقليميين يمنح الحملات العسكرية شرعية بالغة الأهمية، وكما ذكرت مستشارة الأمن القومي سوزان رايس في شهر يونيو عام 2014 "عندما نحض على العمل الجماعي، نقدم نتيجة تكون أكثر شرعية، وأكثر ديمومة، وأقل كلفة".رغم ذلك من المحتمل أن يبرهن تدخل تركيا في سورية أن أهداف الحلفاء الأميركيين وغاياتهم النهائية تحيد غالباً إلى حد كبير عما تسعى إليه الولايات المتحدة، فقد سبق أن واجهت إدارة أوباما صعوبة كبيرة في إقناع تركيا بالمشاركة في حملة تركز على القضاء على "داعش" فحسب. فلطالما شددت أنقرة على ضرورة أن تطيح الحملة أيضاً بالرئيس بشار الأسد، كي تتمكن حكومة جديدة تتمتع بشرعية أكبر من إعادة بسط السلطة في مختلف أرجاء سورية، ومن الواضح أن هذا الهدف يعود إلى الخوف من أن يشكّل السماح للأكراد السوريين باقتطاع منطقة تتمتع باستقلال ذاتي في شمال سورية سابقة تحض حزب العمال الكردستاني (مجموعة صنفتها واشنطن وأنقرة منظمة إرهابية) على تجديد صراعه في سبيل الاستقلال عن تركيا. بالنظر إلى هذا الخوف، لا عجب أن تركيا، عندما وافقت أخيراً في شهر يوليو على الانضمام إلى الحملة الجوية ضد "داعش" والسماح للولايات المتحدة بشن الضربات الجوية من قاعدتي إنجرليك وديار بكر، لم تركز قواتها على استهداف "داعش". بدلاً من ذلك أطلقت هذه القوات سلسلة من الضربات الجوية الحادة ضد الأكراد في العراق، وسورية، وجنوب شرق تركيا، علماً أن عدداً منهم شكلوا القوات البرية الأكثر فاعلية في الصراع ضد "داعش"، وهكذا بتجنيد تركيا في الصراع ضد "داعش"، قدّمت إدارة أوباما لأنقرة عذراً لتخرق وقف إطلاق نار هشاً مع حزب العمال الكردستاني، بعد أن كان قد دخل حيز التنفيذ في مارس عام 2013.عوض المساهمة في توسيع الصراع في الشرق الأوسط بهذه الطريقة، كان حرياً بالولايات المتحدة أن تسعى إلى احتواء العنف، وبدل تشجيع تركيا على المشاركة في العمل العسكري الهجومي، كان على إدارة أوباما أن تعزز الضغط على تركيا وتساعدها بغية تأمين حدودها الجنوبية، لا على إنشاء، حسبما تفضل أنقرة، منطقة آمنة خالية من الأكراد في شمال سورية، ولا شك أن هذه المقاربة كانت ستحمل فوائد كبيرة بقطع خطوط الإمداد، التي تمكن الثوار من خلالها من الحفاظ على تدفق منتظم من الأسلحة والمجندين الجدد.من المؤكد أن تركيا كانت ستجدد على الأرجح حملتها ضد حزب العمال الكردستاني، حتى لو لم تشجع واشنطن تدخلها في الحملة ضد "داعش"، ولا تستطيع واشنطن في هذه المرحلة القيام بالكثير بغية وقف تفاقم الصراع التركي-الكردي، ولكن في المستقبل على البيت الأبيض مقاومة فكرة أنه يستطيع الضغط على حلفائه وحملهم على محاربة المخاطر التي تهدد الأمن الدولي، نيابة عن واشنطن. وبما أن أهداف الحلفاء قلما تتوافق تماماً مع أهداف الولايات المتحدة فمن الطبيعي أن يتوقعوا تحقيق المكاسب الدبلوماسية من تعاونهم الظاهري مع الولايات المتحدة، في حين أنهم يسعون في الواقع إلى تحقيق أهدافهم. صحيح أن الولايات المتحدة لا تستطيع منع الدول من استخدام القوة لتحقق ما تعتبره من مصالحها، ولكن يلزم أن تحجم عن تقديم حجج مغرية تسمح لها بالقيام بذلك.* براد ستابلتون